منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 14 فبراير الماضي، بدأ الفنانون الأوكرانيون يطلقون إبداعاتهم الفنية ضد هذه الحرب، برؤى متنوعة من اللوحات إلى الجداريات، وهم مسلحون بترسانة الألوان الاستفزازية التي انتشرت في الشوارع.
واستخدم بعضهم طرقًا مبتكرة من خلال رموز "كيو آر" (QR)، التي بإمكان للجمهور مسح الكتابة على الجدران من أجل تقديم التبرعات.
لكن هذه اللوحات زادت من وعي الناس بما يواجهونه، وحركت المتاحف وأضفت روحًا جديدة على الفن لم تعرفه من قبل.
انطلق الفنانون الأوكرانيون من التعبير الفني إلى الاحتجاج، ففي كييف، نظم الفنان الأوكراني الروسي "الجوشا" احتجاجًا أمام نصب الوطن الأم التذكاري، الذي يحمل سيفًا في يد، ودرع منقوش بالمطرقة والمنج في اليد الأخرى، وهذا التمثال يعود إلى المتحف الوطني الأوكراني، ويُعّد أحد الرموز القليلة المتبقية من الفترة الشيوعية إذ حظرت عرض معظمها في الأماكن العامة منذ عام 2015.
وصرح الفنان في بيان: "لا توجد صراعات مبررة، كلها إجرامية، تسبب العنف والألم للجميع".
يقف الفنان التشكيلي الجوشا، عاريا دون أي حماية من القوات الحربية، أمام نصب الوطن الأم في كييف، حاملاً أشكالًا وردية في الهواء، ويحاول رسم أشكال بصرية ملونة، وهو جزء من الفن المفاهيمي، مطالبًا بحب الحياة وإيقاف الحرب، ويقول إنه الاحتجاج الصامت والفني ضد جنون الحرب والأيديولوجيا.
فيما قام بعض الفنانين الآخرين بسحب أعمالهم الفنية من المتاحف الروسية، وأصدرت متاحف أخرى بيانات تضامنية في إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
أعمال الفنانين الأوكرانيين تجسّد في هذه المرحلة موضوعات الصدمة والذاكرة والنزوح والعنف، والمقاومة، وبرزت الفنانة فلادا رالكو لتعبر عن مأساة الحرب من خلال أم وطفلها والتساؤلات البريئة تظهر على وجهه.
ولها لوحة تعبر عن "حمامة السلام واغتصاب مدينة"، حيث استبدلت شعار النسور على العلم الروسي بالجماجم أثناء قصف المدن الأوكرانية.
وتقول الفنانة فلادا رالكو: "لدي مطلب واحد هو إغلاق السماء في وجه الطائرات الروسية وإرسال بعثات إنسانية إلى أوكرانيا. هذه الحرب ليست لعبة كومبيوتر، بل تستهدف حياة البشر الآمنين، لذا نحن بحاجة لدعم حقيقي لا رمزي".
أما الفنانة كاترينا ليسوفينكو فتصور حياة الملاجئ في كييف. فيما يركز الفنان نيكيتا كادان في لوحته "الظل على الأرض"، على مصير الجنود الروس الذين أتوا إلى أوكرانيا للحرب ولاقوا حتفهم والتهمتهم التربة الأوكرانية.
ماكسيم بالينكو رسام أوكراني معروف في تصميم الكتب، لكنه في زمن الحرب بدأ يبدع ملصقات حربية تحظى بشعبية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، منها لوحته الشهيرة انتحار فلاديمير بوتين، عن طريق قطع بطنه بالحرف Z. وفي لوحته الثانية يصور المشهد الأيقوني من فيلم سيرجي أيزنشتاين "المدرعة بوتمكين" 1925، وهو فيلم كلاسيكي من الدعاية السوفيتية لثورة 1905، وفيها نرى فلاديمير بوتن يتدحرج على السلالم.
تميزت أعمال هؤلاء الفنانين الأوكرانيين الخمسة بتنوع أساليبهم الفنية، وأغلب الفنانين يعيشون في الملاجئ خوفًا من القنابل، لذلك تباطأ إنتاجهم، وهم يفكرون بكيفية المحافظة عليها من التلف، وقاموا بعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي وحازت على شعبية كبيرة.
يعد متحف المنظمات غير الحكومية للفن المعاصر وصناعة الأفلام "زانا أوزيرنا" من بين عدة مجموعات أطلقت مبادرات لإنشاء أرشيف للفن الأوكراني في زمن الحرب لأغراض التوثيق عن هذه المرحلة العصيبة.
ومن المؤكد أن الفن لا يستطيع منع الكارثة الإنسانية ولا يتمكن من حماية المدنيين من قصف الطائرات والصواريخ الروسية، لكنه قادرة على تجسيد جرائم الحرب المرئية، ورفع الروح المعنوية عند المقاتلين.