خصصت خديجة جزء مهما من يومها لتجوب مختلف المحلات التجارية بأحد أكبر الأسواق الشعبية في مدينة الدار البيضاء، بغرض اقتناء ما تحتاجه من مستلزمات للاحتفال وأسرتها بذكرى "عاشوراء"، وعلى غرار عدد كبير من المغاربة، لم تمنع جائحة كورونا هذه السيدة المغربية من إحياء عادة وتقليد متوارث منذ زمن بعيد.

تقول خديجة وقد أشرفت على الانتهاء من التسوق، بأنها تستهل التحضيرات للاحتفال بذكرى "عاشوراء" منذ بداية شهر محرم، وتحرص على اقتناء الفاكية (خليط من الفواكه الجافة والمكسرات والتمر والتين) والطعاريج (آلات موسيقة مغربية تصنع من الطين والجلد) إضافة إلى لعب للأطفال. 

وتعتبر "عاشوراء" أو "عيشورة" كما يطلق عليها محليا، بالنسبة لخديجة ولشريحة واسعة من المغاربة، مناسبة لاستحضار عادات وتقاليد متوارثة عن الأسلاف، ولإحياء طقوس ظلت راسخة في الذاكرة الجماعية للمغاربة.

الحريرة، الشباكية والسلّو.. نجوم طبلة الفطور المغربية

وسواء في المدن أو في قرى، فإن الأسر المغربية تشترك إلى حد كبير في مظاهر الاحتفاء بعاشوراء، حيث تحرص النساء على تحضير أطباق تقليدية قبل انطلاق أجواء الاحتفال، التي تتميز عادة خلال هذه المناسبة بالرقص على إيقاع الدفوف و"الطعاريج" والأهازيج الشعبية، فيما ينشغل الشباب بإشعال نار ضخمة، متفاخرين بقدراتهم على القفز فوقها.

الطعاريج المغربية

الاحتفال رغم الجائحة

وتقول خديجة لـسكاي نيوز عربية: " إنها عاداتنا وتقاليدنا. نسعى جاهدين للمحافظة عليها، ونحرص على توريثها لأبنائنا" وتضيف: " ظلت صورة أمي وهي توزع علينا في عاشوراء، نصيبنا من "الفاكية" واحدا واحدا، من الصور الراسخة في ذاكرتي إلى اليوم". 

وتعتبر السيدة الخمسينية، أن تزامن ذكرى عاشوراء للعام الثاني على التوالي مع الأوضاع الصحية المرتبطة بالوباء، لا يشكل أي عائق أمام احتفاء المغاربة بالمناسبة بل يجعلهم  هذا الوضع متمسكين بشكل أكبر بالفرح والاحتفال.

وتستطرد: "أعتقد أن الوباء سيغيب بعض مظاهر الاحتفال القليلة فقط، خاصة المرتبطة منها بالتجمعات وإشعال النار الذي يتم في الليل، بسبب فرض حضر التجوال ابتداء من الساعة التاسعة ليلا". 

أما محمد حطاري، بائع الفواكه الجافة بسوق شعبي في الدار البيضاء، فيقول إن تجارة المكسرات والفواكه الجافة وألعاب الأطفال والآلات الإيقاعية التقليدية تشهد انتعاشا كبيرا خلال هذه الفترة من العام.

ويؤكد محمد لـسكاي نيوز عربية، أن التجار يراهنون على هذه المناسبة من أجل تعويض الخسارة التي لحقت بهم جراء تفشي فيروس كورونا وتشديد الاجراءات الاحترازية لمنع انتشاره.

ويشير إلى أن "أغلب الزبائن يقبلون بمناسبة "عاشوراء" على اقتناء ما يحتاجونه من مكسرات وتمر وتين إضافة إلى الفواكه المجففة، فيما يفضل آخرون شرائها جاهزة في علب خاصة لتقديمها كهدية".

الفواكه المجففة

تقاليد وعادات راسخة

وتصادف ذكرى "عاشوراء"، يوم العاشر من شهر محرم، ويتم إحيائها في ليلتي التاسع والعاشر من الشهر الهجري، من خلال إعداد أطباق تقليدية وإحياء عادات قديمة من بينها "شعالة" و"زمزم"، والحرص على اقتناء لعب للأطفال لإدخال البهجة إلى قلوبهم.   

وتبقى "عاشوراء" ذكرى مميزة بالنسبة للأطفال الذين يستمتعون بأجوائها الاحتفالية ويحصلون خلالها على هدايا عبارة عن مجسمات سيارات أو رشاشات مياه للأولاد ودمى للبنات، كما يقدم لهم الجيران نصيبهم من "الفاكية".

امتداد في التاريخ

ويقول الخبير المغربي في علم النفس الاجتماعي، محسن بن زاكور، إن الاحتفاء بذكرى عاشوراء في المملكة له امتداد قديم في التاريخ، وارتباط بموروث ديني، غير أنه امتزج مع مرور الوقت بالثقافة المغربية وبطقوس واحتفالات المزراعين المغاربة.

وفي حديث مع سكاي نيوز عربية، يعتقد بنزاكور بوجود علاقة وثيقة بين مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة، وما تجود به الأرض من خيرات، مما يتجسد من خلال إعداد أصناف مختلفة من الأطباق باختلاف مناطق المغرب.

وتعكس هذه المناسبة بحسب المتحدث، الأبعاد المتعددة للثقافة المغربية، بين الديني العقائدي والفلاحي، إضافة إلى الطابع الاحتفالي الذي تبقى غايته إدخال البهجة والسرور إلى قلوب الأطفال.

ويعتبر بنزاكور، أن المغاربة قد وضعوا ذكرى عاشوراء داخل قالب اجتماعي بعيد عن بعدها الديني، وهو ما يعكس حسبه حبهم وتمسكهم بالاحتفال والفرح الجماعي.