كيف وافقت يسرا على أن يتصدر اسمها هذا المسلسل؟ حالة من التلفيق الدرامي والصخب واللامنطق سيطرت على مفردات الشاشة.

المعلومة التي نقدمها في حلقة يتم التراجع عنها في الثانية، والشخصيات التي نتابعها أحادية الجانب، إما الشر كله أو الخير كله.

تشعر وكأن الجميع قرروا أن يلعبوا أو بالأحرى يتلاعبوا بالجمهور، وكأنهم بمفردهم على الشاشة، ولن يدير المتفرج المؤشر بعيداً عنهم.

وفي ظل هذا التنافس الشرس، لم يستطع "حرب أهلية" الصمود بنفس قوة الجذب، وبدأ التراجع في النصف الثاني من رمضان.

 المسلسل يحمل داخله أسباب هزيمته وضعفه وهوانه على المشاهدين، من الممكن في الحلقات الأولي ومع تواجد نجمة بحجم واسم يسرا تتصدر (التترات) أن نواصل المتابعة، إلى حين، ولكن بعد توغل الحلقات أكثر، وتواجد مسلسلات أخرى لها بريقها وسحرها يتراجع الشغف ويذهب (الريموت) بالمشاهدين إلى أعمال درامية أخرى.

يعاني المسلسل من نفاد ذخيرته الدرامية وهبوط حاد في الخيال، ودائما هناك مفاجأة تؤدي إلى انقلاب درامي، إلا أنها تبدو مجرد حيلة مباشرة لجذب الجمهور، تفتقد المنطق.

يدفعنا التراجع في حال المسلسل للسؤال عن الخيط الرفيع بين المسؤولية الأدبية للنجم وسطوة النجم على مفردات العمل الفني؟ في النهاية المخرج هو المسؤول أدبياً عن الشريط الفني في مختلف جوانبه؛ فهو الأب الشرعي، والعمل الفني يحمل اسمه.

عدد نادر جداً من نجوم التمثيل صار بينهم والجمهور عشرة وثقة، يتحملون أمامه كل التبعات، ويسرا ولاشك واحدة من هؤلاء النجوم الذين نعدهم على أصابع اليد الواحدة، يتمتعون بمصداقية ، والوجه الآخر هو دفع ضريبة الثقة.

أخبار ذات صلة

"كوفيد 25".. بين الخيال العلمي والخيال التآمري
بين السماء والأرض.. فكرة محلقة في السماء خذلها السيناريو
"ملوك الجدعنة".. رموز الزمن الرديء!
"وكل ما نفترق".. كل التفاصيل تؤدي إلى الفشل

جيل الكبار على الشاشة الصغيرة بدأ في السنوات الأخيرة الانسحاب تدريجياً، ولم يتبق في الميدان سوي يحيي الفخراني ويسرا، كل منهما له أرشيف يربو على 30 مسلسلا، صارا أيضاً من علامات دراما رمضان على المستويين المصري والعربي، حتى لو تباين المستوي بين عمل فني وآخر، إلا أن الرصيد يشفع لكل منهما.

"حرب أهلية" عنوان جاذب، ويبقي ما هو بعد العنوان.. الحرب الأهلية هي تلك التي تشتعل داخل حدود الوطن بين أفراد الشعب، وهو بالضبط ما نراه بتنويعاته المختلفة في المسلسل الذي كتبه أحمد عادل حيث تشتعل الحرب داخل الأسرة .

تواصل يسرا العمل مع المخرج سامح عبد العزيز، بعد لقائهما في العام الماضي (خيانة عهد)، والذي كان أيضاً من الممكن وصفه بالحرب الأهلية، حيث كان الصراع الرئيس بين الشقيقتين. هذه المرة الصراع أشد ضراوة بين الابنة وأمها.

تؤدي يسرا دور الطبيبة (مريم) التي تعاني من كراهية مفرطة سكنت قلب ووجدان ابنتها تمارا (جميلة عوض)؛ فهي تعاني من تشوه نفسي، وجرح عميق بسبب والدها طليق يسرا، الذي نجح في زرع جبال من الكراهية داخل الابنة، وكرد فعل نفسي تتبنى يسرا الوجه الجديد مايان السيد ابنة الخادمة لتصبح ابنتها البديلة.

 تصطدم كل الشخصيات النسائية، مع الطبيب النفسي باسل خياط، وزوجته أروي جودة، فهو الشرير كما هو منصوص عليه في (الكتالوج)، كل التفاصيل تحيله إلى أفعى، وكل النساء يقعن في حبه، ولا تصمدن دقائق أمام سحره وجاذبيته، وهو لا يتورع أيضاً عن ابتزازهن، وكأنه الرجل الوحيد في الدنيا.

يبدو طوال الأحدث وكأنه يؤكد للجمهور بأنه لا يزال يحتفظ بأسلحة بعيدة المدى للشر، عينه تنطق قبل لسانه. 

دائما يتوعد الآخرين، نراه مثلا يهدد زوجته بعد أن صورها في غرفة النوم، ولا أدري أين هو التهديد فهي زوجته وهو من يُمسك بالكاميرا، وذيوع تلك الصور وهو طرف فيها تدينه ولا تدين زوجته ؟! ورغم ذلك تنجح خطته ونجدها وقد تراجعت عن إتمام الطلاق بعد أن هددها بإرسال هذه الصور إلى أبيها.

لا أحد يتوقف أمام أي منطق، المهم أن نصل لذروة الصراع، وفي كل مرة تنهار المصداقية أكثر وأكثر.

ويبقي الحديث عن يسرا. قطعا من حق النجم الكبير أن يسأل عن كل التفاصيل ولا يسلم عقله لشركة إنتاج أو مخرج قد يخذلانه. النجم يدرك جيداً بحكم خبرة السنين أين يكمن الخطر، ويصبح واجبا عليه أن يتجنبه.

يسرا متواجدة كواجهة في العديد من التظاهرات الفنية والإعلامية والسينمائية مصرياً وعربياً، ولا يخلو أي حدث هام من حضورها متصدرة المشهد، وهذا يلقي عليها مسؤولية أكبر، لكي تقول لا لأي عمل فني يفتقد الرؤية والمنطق.

المسلسل مليء بكل تلك الثقوب التي أهلته للغرق في بحر دراما رمضان. واستعير من كاتبنا الكبير يوسف إدريس عنوان لقصة قصيرة أقول: (أكان لابد يا يسرا أن تلعبي بطولة هذا المسلسل؟!).