"فن التخريب" لمقاومة الاحتلال وفتح الأعين على أن تكرار مفردات فرضها الاحتلال جزء من سيناريو الانسلاخ عن الهوية الفلسطنية، تلك كانت رسالة الفنان التشكيلي الفلسطيني رمزي أبوصوي، من قرية أرطاس جنوبي مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، التي جاهر بها لقناة "سكاي نيوز عربية".

ويرتكز فن أبو صوي الجديد على وضع أحرف "عربية أو إنجليزية أو عبرية" أو إزالتها عن اللوحات الإرشادية التي وضعتها السلطات الإسرائيلية على الطرق الالتفافية بين مدن الفلسطينية المحتلة وتشكيل كلمات أخرى ليس لها معنى.

وهنا يدرك أبو صوي جيدا خطورة تنفيذ مشروعه الفني الحديث سيما وأنه أسير محرر من سجون الاحتلال، فقد اعتقل بين عامي 2003 و2004.

ولأن الفن وخاصة التشكيلي المعاصر يحتاج إلى إتقان أساليبه وخصوصياته، إلا أن ذلك لم يغب عن رمزي أبو صوي الذي يحمل شهادة البكالوريوس في الفنون التشكيلية من الأكاديمية الدولية للفنون المعاصرة عام 2012، كما أنه شارك في 16معرضا تشكيليا محليا ودوليا منها 6 معارض فنية شخصية عرضت في النرويج ولبنان ومصر وبعض مدن الضفة الغربية.

محاربة النفي بالنفي

وقد يبدو ما أسماه أبو صوي فنا أمرا مستغربا بعض الشيء، لكن رمزي، 29 عاما، استطاع خلال الأشهر القليلة الماضية من تخريب عدة لوحات إرشادية على الطرقات الالتفافية في مختلف المناطق.

وهنا يقول رمزي أبو صوي في حديث خاص مع "سكاي نيوز عربية": "تولدت لدي فكرة مشروع فن التخريب حينما كنت أكمل دراستي العليا، وبالتحديد أثناء تنقلي المستمر بين مدينتي بيت لحم ورام الله، وفي تلك الأثناء كنت أسمع دائما الركاب يتلفظون أسماء الأماكن التي يقصدونها بعبارات عبرية وضعها الاحتلال على اللوحات الإرشادية الموزعة على الشوارع الالتفافية".

وتابع "تعاظم لدي شعور بضرورة عمل شيء ما خصوصا بعد الاعتراف الدائم وغير المقصود بالمصطلحات والأسماء التي وضعها الاحتلال والبعيدة كل البعد عن الأسماء الحقيقية".

ويتساءل بحرقة: " أين ذهبت تلك الأسماء والمصطلحات الكنعانية الفلسطينية الأصيلة؟، ناهيك عن غياب اللوحات الارشادية الفلسطينية".

ولعل ذلك ما دفع الفنان الشاب إلى البحث عن طريقة تكون سهلة من خلال تطبيق استراتيجية محاربة "النفي بالنفي"، وذلك من خلال إضافة أحرف أو حذفها من الكلمات العربية والإنجليزية والعبرية الموجودة على اللوحات الإرشادية لتغيير وتخريب معناها.

فن "استفزازي"

يقول أبو صوي "هذه فكرة تقوم على تغيير بعض الأحرف أو الكلمات الخاصة بهذه اللوحات لنفي وتخريب تلك الأسماء التي وضعها الاحتلال وتغيير معناها إلى المجهول كما ولدت وستندثر، فبكل بساطة أنا أحاول نفي الاحتلال الذي نفاني بكلماته العبرية".

لكن الغريب في فكرة أبو صوي أنه لا يبحث من خلال تنفيذ فنه "فن التخريب" عن خلق واقع جديد، ولا حتى أسماء فلسطينية، وإنما كما يقول "أريد فقط أن استفز المواطن العادي أو المفكر أو السياسي أو المسؤول أو المؤرخ الفلسطيني أو السائح أو الزائر للأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى الاحتلال سواء كانوا جنودا أو مستوطنين للاستيقاظ من كذبة أسهم التكرار في ترسيخها".

ثم يواصل "الكتابات والأسماء التي نراها على اللوحات الإرشادية لم تضعها أيادي فلسطينية وإنما الاحتلال الذي يحاول بكل قوته تزوير وإخفاء الأسماء الكنعانية والفلسطينية لتلك المناطق، وإعطاء ما يمكن تسميته صبغة تهويدية للأراضي الفلسطينية".

لكن في المقابل، فإن تنفيذ هذا الفن يعد ضربا من الجنون خصوصا أن جميع اللوحات الإرشادية تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، كما أنه من السهل جدا أن يتعرض أي فلسطيني توقف لبرهة على الشارع الالتفافي أو الاستيطاني للمساءلة من قبل الجيش الإسرائيلي، فما بالك بشخص يقوم بتخريب اللوحات الإرشادية التي وضعها الاحتلال لإرشاد المستوطنين لتسهيل عبورهم وتنقلهم عبر لتلك الشوارع.

والأصعب من ذلك، أن بعض اللوحات تكون مرتفعة جدا عن الأرض وتخريبها يتطلب وضع "سلم" حتى يتمكن أبو صوي من تنفيذ فنه التخريبي، كما أن بعضها الآخر يكون في شوارع ضيقة لا يسمح للمارة بالعبور فيها أو تكون قريبة من نقطة تفيتش أو حواجز عسكرية.

"عدوى فردية"

ويبدو أن "فن التخريب" أثار نوعا من الجدل في المجتمع الفلسطيني حتى أن بعض الشبان تفاعلوا مع هذه الفكرة الجديدة وأخذوا على عاتقهم تنفيذ هذا الفن في مناطقهم الخاصة وبصورة فردية كما قال رمزي.

وإن كان "رمزي أبو صوي" يريد من فنه وأسلوبه الجديد أن يستفز المواطن الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي، إلا أنه يوجه عدة رسائل للمسؤول والفلسطيني عامة، بعدم التعامل مع هذه الأسماء والمصطلحات التي يضعها الاحتلال كمسلمات وأن لا تتحول إلى جزء من هوية المكان لأنها لم تكن يوما منه، كما يدعو المؤرخ الفلسطيني إلى ضرورة العمل الجاد والفعلي من أجل خلق وعي لدى أفراد المجتمع وإعادة تاريخ هذه الأسماء بالاستعانة بمصطلحات وكلمات فلسطينية وكنعانية أصيلة للقرى والمدن والمناطق المختلفة.

ويرى رمزي أنه يمكن تطوير هذا من خلال وضع برامج وخطط لإعادة إحياء التاريخ الفلسطيني القديم والمعاصر والحاضر في الذاكرة الجماعية، وتكثيف الدورات المعرفية بتاريخ فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، ووضع برامج توعوية وزيارات ميدانية للأماكن المهودة، وتعريف الأجيال الحالية والمقبلة بالأسماء الحقيقية لتلك المناطق الكنعانية الفلسطينية الصرفة.