"كاشفات هي المحن".. هذا ما ينطبق على أهل مدينة بنها بمحافظة القليوبية، شمال القاهرة، لما فعلوه خلال حادث قطار طوخ الذي انقلبت عرباته قرب مدينتهم.

فأهل بنها لم يكتفوا بالمشاركة في محاولة إنقاذ ركاب القطار العالقين داخله بعد انقلاب 4 عربات منه، بل لم ينسوا واجبهم في شهر رمضان الكريم وأن من تواجد في موقع الحادث ضيف عليهم ويجب إكرامه وتوفير إفطاره.

أهالي قرية كفر الحصة التابعة لمركز بنها، ونظرا لقربهم من موقع الحادث، خرجوا عن بكرة أبيهم مساعدين في الإنقاذ منذ الظهر، وهو وقت وقوع الحادث.

وحينما أذن لصلاة المغرب يوم الأحد الماضي، فوجئ الموجودون في المكان بنساء القرية يحضرن "صواني" عليها ما لذ وطاب من مأكولات شهية لإفطار الجميع من ركاب وأفراد أمن ومسؤولين.

قطار الحياة

أخبار ذات صلة

لماذا تتكرر حوادث القطارات في مصر؟
مصر.. تعرف على رئيس السكك الحديدية وأبرز محطاته

القصة بالطبع لاقت رواجا كبيرا واهتماما من جانب وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ومن بينها موقع سكاي نيوز عربية، لكن اللافت هو أن ما فعله أهالي قرية الحصة ساعد كثيرا في رسم صورة ذهنية عن جميع أهالي بنها، تمناها الكثيرون حسبما عبر بعض المغردين.

وكتب أحد مستخدمي موقع فيسبوك: "ياريت الناس كلها تعمل من بنها"، مستخدما وسم "هاشتاغ" (#أهل_بنها_الجدعان)، في إشارة للمثل الشعبي المعروف بين المصريين "عامل من بنها". 

ويستخدم المصريون هذا المثل للدعابة، حينما يجدون شخصا غير مهتم بما يجب عليه فعله، فيصفونه بأنه من بنها.

ورغم تعدد الروايات حول أصل هذا المثل وقصته، فإن الدارج عنه وما نشرته كذلك وسائل إعلام محلية ورسمية مصرية، أن "قطار وجه بحري القاهرة، لابد وأن يمر على بنها ويقف بها أيا كانت وجهته، وهو ما يعني أن أول محطة بعد القاهرة هي بنها".

واعتاد الركاب المتوجهون لبنها ممن لم يمكنهم الحصول على مقعد، الاستئذان من الجالسين ليسمحوا لهم بالجلوس هذه المسافة التي لا تستغرق دقائق معدودة، بعدها ينزل أهل بنها ويستأنف ركاب وجه بحري جلوسهم، ومن هنا ظهرت الحيلة التي لجأ إليها أغلب الركاب المتوجهين لمحافظات أبعد للحصول على مقاعد.

شاهد لحظات فى رفع آثار حادث قطار طوخ
محمود النجار.. مسعف مصابي قطار طوخ بروى القصة

ونرى هنا أن المثل ارتبط بأهل بنها رغم أنه من كان يمارس تلك الحيلة ليس من بنها بالفعل، وكأن القدر جاء بحادث قطار طوخ قرب بنها لينفي عنهم ما ارتبط بهم دون أن يكون لهم ذنب فيه، وكان بسبب قطار أيضا، وهو نفسه الذي برأهم الآن من التهمة.

" الأهالي عاملين عظمة.. #قطار_بنها"، هكذا عبر أحد مستخدمي موقع فيسبوك، مرفقا منشورة بصور أهالي بنها وهم يقدمون الإفطار لركاب قطار طوخ.

فيما قال آخر: "أهالي بنها بتعمل ملحمة تاريخية الآن أمام مستشفى الجامعة. عربيات (سيارات) ملاكي محملة بعصائر ووجبات يتم توزيعها الآن علي أهالي مصابين قطار طوخ".

وتابع: "اللي بيعمل كدا (من يفعل هذا) أهالي بنها مش المحافظة ولا الجمعيات الخيرية اللي مبعتوش حتى كرتونه تمر أو مياه للناس".

البعض استعاد أيضا الرواية المشهورة عن أهل محافظة الشرقية، الذين تعطل أحد القطارات في نطاق محافظتهم في رمضان فعزموا جميع ركاب القطار على الإفطار، مع التأكيد على أن أهل بنها قدموا نفس الشيء وقد يكون أكثر.

أستاذة علم الاجتماع ومديرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر سابقا، الدكتورة سهير لطفي، اعتبرت أن "هذه الأمور تعود لكون شهر رمضان له قدسية خاصة في نفوس جميع المصريين، وتسود فيه الروحانيات بشكل كبير عن الأيام العادية".

وقالت لموقع "سكاي نيوز عربية": "الشارع المصري عموما فيه تناقض عجيب، فتجد من تعرضت سيارته لاصطدام من سيارة أخرى، يحدث مشكلة كبيرة، ولكن في الوقت نفسه حينما يجد حادثا وهناك من يحتاج للمساعدة فهو ينسى أي التزام لديه ويضحي بوقته وجهده لتقديم المساعدة، وهذه هي الشهامة المتأصلة في الشخصية المصرية.. وتكون متأججة بشكل أكبر في شهر رمضان".

وأشارت إلى أن أهل الريف المصري "معروفين بالشهامة والتعاون بشكل كبير، ويخشون دائما من أن يقال عنهم أنهم غير كرماء، ونلاحظ أن هذا هو الدافع الأكبر لدى أهل قرية كفر الحصة وما فعلوه مع ركاب ومصابي حادث قطار طوخ".

واختتمت حديثها بالقول: "هذا ترجمناه بلغة حقوق الإنسان والدستور، فكأن أهل الريف المصري يقولون لنا إنهم يعرفون حقوقهم ويطالبون بها دائما، ولكن حينما وقع عندهم حادث تحركوا بشكل لا إرادي ليعلنوا لنا أنهم يعرفون واجباتهم ومسؤولياتهم جيدا".