استطاع الفيلم التلفزيوني "ستة أشهر ويوم" للمخرج المغربي عبد السلام الكلاعي تحقيق نسبة مشاهدة مرتفعة أثناء عرضه الأول على القناة الثانية، مساء يوم 13 أبريل الجاري.

فقد شاهد هذا الفيلم حوالي 5 ملايين متفرج بنسبة مشاهدة وصلت 43.4 في المئة، وذلك لحسه الإنساني العالي وإثارته لقضايا مجتمعية كثيرا ما يتم السكوت عنها، وألا وهي نظرتنا للمختلف عنا، وتحديدا ذوي الاحتياجات الخاصة، من مثل المصابين بالتوحد.

التوحد، السرطان، إدمان الكحول، العنف الذي يطال المرأة والطفل، كلها مواضيع حساسة ومعقدة اجتمعت في هذا الفيلم التلفزيوني في توليفة فنية رائعة، ورؤية إخراجية بديعة للمخرج عبد السلام الكلاعي، وكاستينغ أقل ما يمكن القول عنه هو التميز في الأداء والتشخيص، والقدرة على الإقناع في أداء الشخصيات، وهو الأمر الذي تخفق فيه الكثير من الأعمال التلفزيونية المغربية، ولكن هذا العمل نجح في جمع كل هذه الأشياء وإعطاء المشاهد المغربي عملا يحترم ذوقه، ويدفعه إلى مساءلة النفس: أين نحن من كل هذا؟ وأين نحن من هؤلاء المختلفين عنا، والبالغين الحساسية، من مثل المصابين بالتوحد؟ وهل نحن فعلا أسوياء؟

الكلاعي مع بعض أفراد طاقم الفيلم

 لغة الحوار في الفيلم مقتضبة، تقتصر على الأساسي بعيدا عن الثرثرة والصراخ الزائد، وهي نابعة من رؤية إخراجية سينمائية بالأساس يتوخى من ورائها المخرج استنطاق الصورة والفضاء، حيث نجح في جعل الأشجار والأماكن والمقابر تتكلم، وأعطى مساحة كبيرة ليد المبدع التشكيلي المرهف الحس، والتي يمكن أن تتحول من أداة للرسم إلى أداة للعنف، إذا تم استفزاز صاحبها، أو أحد المقربين إليه.

شاهد هذا الفيلم حوالي 5 ملايين متفرج

 ويحكي فيلم "ستة أشهر ويوم" قصة حب جمعت بين إبراهيم (أمين الناجي) فنان تشكيلي موهوب مصاب باضطراب التوحد، وهدى زوجته (جليلة التلمسي) التي ستكتشف إصابتها بالسرطان، وأنه لم يتبقى لها سوى ستة أشهر للحياة، فتفكر في البحث عن كل الحلول الممكنة والبدائل ليعيش زوجها بعد رحيلها في وضعية جيدة، حيث طلبت من عاملة لديهم في الورشة التزوج به، وفكرت في وضعه في دار للرعاية، أو تركه لدى بعض أفراد العائلة، وأثناء البحث عن كل تلك البدائل يشتد عليها المرض، وتخضع لجلسات العلاج، فتتشبث بالأمل في الحياة، فتعيش يوما آخر على تلك الستة الأشهر، التي سبق للطبيب أن أخبرها بها.

مشهد من فيلم ستة أشهر ويوم

 وعن هذا الفيلم يقول المخرج المغربي عبد السلام الكلاعي في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية"، إن "موضوع التوحد قريب مني جدا، لأنه يتحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنا ألقبهم بذوي القدرات الخاصة، لأنه موضوع مهم يسائلنا جميعا، ويسائل كيفية قبولنا بالآخر المختلف. السائد هو نظرة العطف والرحمة والشفقة، من ذلك الاختلاف الذي يراه البعض نقصا، في حين أنه مدعاة للإبداع لدى الكثيرين، خاصة أن التاريخ يحبل بأشخاص كانت لهم قدرات خارقة وهم يعانون من اضطرابات معينة".

مشهد آخر من الفيلم

 ويضيف المخرج أنه حاول في هذا الفيلم أن يصالح الجمهور مع الشخص المختلف، صاحب القدرات الخاصة، حتى يتم النظر إليه على أنه إنسان عادي، فالإيمان بالاختلاف هو الرسالة الأساسية في هذا العمل، الذي يدعو إلى النظر إلى ما يميز الإنسان، وليس إلى بعض النقص الذي قد يعاني منه، لأنه في نهاية المطاف لا أحد سويا على الإطلاق، ولهذا فهدى زوجة إبراهيم "حينما تتحدث عنه، دائما تذكر الجوانب الخلاقة، وتتحدث عنه كفنان، كأحسن طالب في دفعته في مدرسة الفنون الجميلة، وهو ما جعلها تقع في حبه، وبالتالي هكذا ينبغي أن يصبح تعاملنا".

أخبار ذات صلة

المخرج المغربي محمد إسماعيل.. هل كانت السينما سببا في رحيله؟
وفاة المخرج المغربي محمد إسماعيل.. وفنانون ينعوه
الصدفة تحوّل شابا مغربيا مغمورا إلى بطل فيلم مرشح للأوسكار
يوسف سحساح.. رحالة مغربي يجوب إفريقيا على متن دراجة هوائية

 وعن كاستينغ هذا العمل، الذي شارك فيه كل من الممثل أمين الناجي، والممثلة جليلة التلمسي، إلى جانب الممثلين: نسرين الراضي، زكرياء عاطفي، عبد الرحيم صمدي، والطفل سامي الكلاعي، يوضح المخرج عبد السلام الكلاعي إن "روح الممثل هي الأداة التي يعبر بها المخرج، وينجح في إيصال رؤيته الإخراجية إلى الجمهور. وهذا بالفعل ما حرصت عليه في هذا العمل، الذي كانت فيه البطولة مشتركة بين أمين الناجي وجليلة التلمسي، وهو ما نجحا فيه بالفعل، حيث استطاع أمين أداء هذا الدور المركب والصعب بحرفية عالية، كما تمكنت جليلة من سبر أغوار تلك الشخصية، وتقديمها بشكل رائع". ويشير إلى أنه "إذا كانت لدينا لائحة في العالم العربي لأحسن المشخصين، فإن الممثل المغربي أمين الناجي سيكون واحدا منهم".

وعن سر تشبثه بتصوير أغلب أفلامه السينمائية والتلفزيونية في مدينته العرائش، ومن ضمنها هذا الفيلم التلفزيوني، يقول المخرج إنها مدينته التي يعرفها جيدا، وله ارتباط عاطفي بها، كما أنها مدينة صالحة للتصوير تتوفر على إرث معماري أندلسي مغربي جميل، وهو ما أضفى على الفيلم جانبا بصريا مميزا، إنها برأيه "استوديو مميز لتصوير الأفلام".

وتجدر الإشارة إلى أن فيلم "ستة أشهر ويوم"، كتب السيناريو الخاص به المخرج عبد السلام الكلاعي والكاتب محمد لمويسي، الذي اعتاد المخرج إشراكه في عملية كتابة أعماله السينمائية والتلفزيونية، وهي الكتابة التي تعرف نقصا كبيرا في المغرب، خاصة أنه ليس لدينا حرفيون للكتابة السينمائية بالمغرب، كما يقول المخرج الكلاعي، وهو الذي يجب تداركه عبر التكوين، وانفتاح الدراسات الأدبية على الجانب التقني المتمثل في كتابة السيناريو، وليس الاقتصار على الجانب النظري فقط.

دور السينما المغربية تطلق نداء لمعاودة الافتتاح

 وقريبا سيعرض للمخرج عبد السلام الكلاعي فيلم سينمائي جديد يحمل عنوان "أسماك حمراء"، حصل على جائزة ما بعد الإنتاج في مهرجان مالمو للسينما العربية بالسويد، وهو فيلم يحكي عن قصة ثلاث نساء يعشن أوضاعا اجتماعية واقتصادية ونفسية صعبة، ويحاولن بكل الوسائل تحسين أوضاعهن.

والمخرج عبد السلام الكلاعي من الوجوه السينمائية والتلفزيونية البارزة في المغرب، لم تمنعه إعاقته من العمل، كتب وأخرج مسرحيتين وأفلامًا سينمائية عدة قصيرة وطويلة، وأخرى تلفزيونية، نذكر منها: "سيدة الفجر"، و"حب وغضب"، و"صمت الذاكرة" و"عين الحق". ويعتبر فيلمه "ملاك" من بين أهم الأعمال السينمائية المغربية، التي حاز بها على العديد من الجوائز داخل وخارج المغرب.