كلما تلبدت الغيوم، وتلونت السماء باللون الرمادي، شعر سكان المدينة العتيقة بالدار البيضاء برهبة غريبة، وشرعوا في التطلع إلى السماء.

يراقبونها بتوجس، كالحليب فوق النار. يرجون أن تكون السماء رحيمة بهم وتسقيهم من غيثها دون أن تهز أركان منازلهم الهشة.

ولسان حالهم يقول: اللهم صيبا نافعا، لأن أمطار الخير قد تصبح في أي لحظة مرادفا للموت.

نسيج عمراني هش يأوي ساكنة معوزة، وبنايات متداعية وأخرى متلاشية بالمدينة القديمة ودرب السلطان الفداء، والحي المحمدي، غالبيتها تأوي أكثر من أسرة، وهو ما يزيد الطين بلة، ويعود بناء معظهما إلى أزيد من قرن من الزمن.

وعبر سراج الدين موسى، رئيس جمعية أولاد المدينة، وهي جمعية تعنى بدعم أسر هذه المنازل بالإضافة إلى مهام أخرى، (عبّر) عن امتعاضه من طريقة تدبير المجالس المنتخبة لهذا الملف.

وأضاف في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "هناك بطء في عمليات الترميم. ما يحدث غالبا هو أنه رغم جهود السلطات التي تتفاعل مع سقوط أحد المنازل بتسريع عمليات الترميم وتنقيل الساكنة إلى أحياء أخرى، نلاحظ أن الوتيرة تعود للتثاقل بعد أسابيع من التأهب ليعود الوضع إلى ما هو عليه".

وانتقد في السياق ذاته، دفع السكان المُرحلين إلى اقتناء شقق صغيرة من 48 متر مربع ب 25 مليون سنتيم (حوالي 25 ألف دولار)، "فذلك هو العبث بعينه"

ولفت موسى إلى إشكالية أخرى وهي تنقيل هؤلاء السكان إلى مناطق أخرى بعيدة، أحيانا خارج مدينة الدار البيضاء، وهو مشكل كبير حسب الفاعل الجمعوي، الذي أردف قائلا: "عندما يتم ترحيل أسرة من حي استقرت به لسنوات طويلة، ليتم وضعها في حي بهامش المدينة، فإن هذا يولد إحساساً بعدم الانتماء، قد يتطور إلى حقد. لأن المراهقين والشباب يحسون أن جذورهم بُترت ولم يعد لهم انتماء، ما يفسر انتشار الجريمة ببعض هذه الأحياء".

وهذا ما يفسر أيضا أن العديد من قاطني هذه الدور المتقادمة، يرفضون تركها، خشية غياب بديل يضمن استقرار أسرهم.

فيما فضلت عدد من هذه الأسر ترك الدار البيضاء والالتحاق بعائلاتها بمدن مختلفة، بعد تعثر تسلمها لشققها السكنية خلال الأشهر الماضية، مما دفع عددا من المستفيدين إلى توجيه شكايات في الموضوع إلى والي جهة الدار البيضاء وعمدة المدينة.

فبعض عمليات تسليم الشقق السكنية ظلت حبرا على ورق وعدد كبير ينتظر دوره من أجل تسلم الشقق السكنية الجديدة.

أخبار ذات صلة

المغرب.. سوء الأحوال الجوية يعطل الدراسة في إقليم تطوان
المغرب.. فيضانات تطوان تكشف "هشاشة البنية التحتية"

أرقام مرعبة

وكشفت دراسة أعدها قسم التعمير بمجلس المدينة، حول الدور الآيلة للسقوط بالدار البيضاء، أن عدد هذه المباني يقدر بأزيد من 2800 بناية تضم حوالي 72 ألف أسرة، منها 1874 بمنطقة درب السلطان الفداء بنسبة 65 في المئة و905 بعمالات مقاطعات الدار البيضاء آنفا بنسبة 32 في المئة و91 بناية بعمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي بنسبة 3 في المئة.

وحسب الدراسة ذاتها، التي نشرتها وكالة الأنباء المغربية، فإن حوالي 36 في المئة من هذه المباني تصنف ضمن السكن غير اللائق، و40 في المئة ضمن البناء غير القانوني أي حوالي 80 ألف أسرة. ويزداد الوضع خطورة، كلما تأخرت عمليات الترميم وذلك بسبب عوامل التعرية والرطوبة.

وتقول المادة السادسة من القانون رقم 94.12 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط: "يتخذ رئيس مجلس الجماعة أو من يفوض له بذلك قرارات بتدعيم أو هدم المبنى الآيل للسقوط، عندما يتحقق من أن الانهيار الكلي أو الجزئي للمبنى المذكور، من خلال خبرة تقنية تقوم بها مصالح الإدارة المختصة، أو بناء على التقرير المكتوب الذي تعده اللجنة الإقليمية، يمكن أن يترتب عنه مساس بسلامة شاغليه أو المارة أو البنايات المجاورة وإن كان غير متصل بها".

في هذا السياق، أكد عبد الحفيظ البقالي، مستشار جماعي بمدينة الدار البيضاء، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن سلطات البيضاء تضاعف جهودها لإيجاد حلول واقعية لهذا المشكل الذي لا يزال مستمرا منذ سنوات، مؤكدا على تحقيق عدد من المكتسبات.

وذكر بالعناية الخاصة التي يوليها العاهل المغربي للمدينة العتيقة، حيث أطلق الملك محمد السادس في 20 مارس 2015 المرحلة الثانية والأخيرة من برنامج تأهيل المدينة العتيقة للدار البيضاء، وهو مشروع رصد له غلاف مالي قيمته 300 مليون درهم.

وكان الملك قد أعطى تعليماته منذ سنوات لإعطاء الأولوية لإعادة إسكان الأسر التي تقطن في منازل آيلة للسقوط.

كما انتقد الملك سابقا، في 11 أكتوبر 2013، في خطاب ألقاه في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة، طرق التدبير والحكامة والإنجاز بمدينة الدار البيضاء، وصف فيه القطب المالي والاقتصادي للمملكة بمدينة "التفاوتات الاجتماعية الصارخة، إذ تتعايش الفئات الغنية مع الفئات الفقيرة. وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح. وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها".

ويرى متابعون أن حزب العدالة والتنمية، الذي أخذ عِمادة المدينة، ومعه بقية أحزاب الأغلبية المسيرة لمجلس المدينة، لم يتمكن من إخراج المدينة من تفاوتاتها المتفاقمة، ولم يواكب المسؤولون تلك الإرادة التي عبر عنها الملك.

ويحاول المغرب مواجهة ظاهرة المنازل الآيلة للسقوط ببرمجة مشاريع لإعادة إسكان الأسر المهددة أو المتضررة، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يقابل بمجموعة من الصعوبات التي تحول دون هدم الدور الآيلة للسقوط.

ومن بين المشاريع التي تمت برمجتها في هذا الإطار، مشروع المحج الملكي بالدار البيضاء، والذي عرف تعثرا نتيجة للعوائق التي واجهتها الشركة الوطنية للتهيئة الجماعية في عملية إعادة إسكان قاطني هذه البنايات، فالمشروع اعتمد على إحصائيات سنة 1989، والتي تتضمن حوالي 2787 أسرة مهددة، بينما عند تفعيل المشروع ارتفع عدد الأسر في المنزل الواحد من أسرة واحدة إلى أربع أو خمس أسر

ويكلف البرنامج الوطني لمعالجة المباني الآيلة للسقوط ميزانية الدولة المغربية ما يفوق 4.8 مليار درهم تساهم فيها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بحوالي مليار درهم، فيما يمول المتدخلون الآخرون الباقي. ويشمل البرنامج 33 ألفا و732 بناية يوجد 80 في المائة منها في المجال الحضري.

وكشفت نزهة بوشارب، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أنه جرى، في إطار البرنامج الوطني لترميم المباني الآيلة للسقوط، منذ 2012، إحصاء أزيد من 43 ألفا و700 وحدة سكنية بكافة التراب الوطني، 83 في المائة منها يقطن بها مواطنون، مؤكدة أن الحكومة تقوم بمجهودات جبارة ضمن هذا البرنامج للحفاظ على الأرواح وتحسين ظروف الساكنة.

كما أكدت المسؤولة أن معالجة الدور الآيلة للسقوط تتم عبر عدد من المراحل، إما الهدم الكلي أو إعادة البناء عندما تشكل خطرا أو الهدم الجزئي مع تدعيم المبنى إذا كان قادرا على الاستمرار، مبرزة أنه يتم تقديم تعويض جزافي للملاكين القاطنين في الدور.