قبيل آذان الفجر، في ليلة شتاء قارصة، كان الشاب العشريني أحمد عبدالله يقف على أحد السلالم الخشبية، يتابع نظرات المارة بين الحين والآخر والتي تُنبئ بالانبهار عما يقوم به.

يتذكر في تلك اللحظات ما كان يتلقاه من سخرية في بداية صنعه، غير أن حماسه وتقديره لما يقوم به جعله يكمل ليعرّف الجميع أن الفن يستطيع أن يعبّر عن الأزمات ويناقشها ويضع لها حلولًا.

عبدالله أحد شباب حملة "سواعد الخير"، الذي قرّر أن يكون لفنه دور من خلال مبادرة "كمامتك تساوي سلامتك"، التي تحثّ المارة على الالتزام بالإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، والتعبير عن معاناة الأطباء في مصر من الفيروس وأرقام الإصابات المفزعة نتيجة التهاون في ارتداء الكمامات وعدم استخدام المطهرات.

يحكي عبدالله لـ"سكاي نيوز عربية" أنّ الحملة منبثقة من حملة كبرى لأهالي قرية "طنامل" التابعة لمحافظة الدقهلية في مصر، إذ يحاولون من خلال الحملة الأم أن يساعدوا المحتاجين، ويوفروا لهم أنابيب الأكسجين، إلى جانب إجراء التحاليل اللازمة بالمجان وتوفير ما يلزمهم من أدوية وخلافه.

أخبار ذات صلة

هل وصلت سلالة كورونا الجديدة إلى مصر؟
أول أيام تطعيم لقاح كورونا في مصر.. ماذا حدث؟

كمامتك تساوي سلامتك  

نبرات الفرح والسعادة باتت ظاهرة في حديثه، قائلًا إنّ الكثيرين أشادوا بالرسومات التي قدمها، وبالأماكن التي اختارها لتنفيذ الرسومات، خاصة بعد أن اختار أحد الطرق السريعة التي يمر عليها عشرات الآلاف يوميا في طريقهم للعاصمة القاهرة.

يشير عبدالله إلى أنّ الفن هو عالمه الخاص الذي يسرح فيه، يحبه ويريد دومًا أن يعبر من خلاله على كل مستجدات الحياة، منوهًا أنه تطوّع في الحملة من دون أي مقابل مادي، واستغرق أكثر من أسبوع لكي يختار الرسومات المناسبة، وقام بعمل استطلاع على صفحته الشخصية لاختيار الأفضل.

ما قام به الشاب العشريني في قريته دفع عددا من القرى المجاورة بتنفيذ رسومات أيضا للتعبير عن أهمية مواجهة فيروس كورونا، ولكن "لغياب الفنان المبدع" حسب قول عبد الله، لم تلق الرسومات استحسان الكثيرين، مؤكدًا أنه سيستمر في الرسم والتوعية طوال الوقت لكي ينقذ الآلاف من خطر الفيروس.

أخبار ذات صلة

مصر تبدأ تطعيم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة
لقاح كورونا المصري.. "خبر هام" في غضون أسبوعين

 يلا نكمل بعض

من بين المبادرات التي تم دعمها في "سواعد الخير" كانت "يلا نكمل بعض"، التي قامت بالاتفاق مع معامل تحليل طبية لخفض سعر فحص فيروس كورونا بنسبة 50 بالمئة لجميع الأهالي، وبدون أجر للفقراء، بجانب إيداع مبالغ كبيرة في الصيدليات لدعم مصابي كورونا في حصولهم على البروتوكول العلاجي من خلال دعمهم المادي.

في الوقت نفسه، يقول الدكتور محمد أبو العلا، رئيس قسم الأدب الشعبي بمركز دراسات الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون والمسؤول عن "سواعد الخير"، إنهم قاموا بتنفيذ عدد كبير من المبادرات، لمساند الدولة في مواجهة الهجمة الشرسة لفيروس كورونا، وتنفيذ توجيهات الدولة، ممثلة في وزارتي الصحة والداخلية في مواجهة الأزمة.

وتابع أبو العلا في حديثه مع "سكاي نيوز عربية" أنّ الحملة يتطوع فيها عدد كبير من أساتذة الجامعات والمهندسين والمعلمين وغيرهم من الواعين بالدور المجتمعي، منوهًا أن الرسومات التي قاموا بتنفيذها كان لها مردود واسع على الجميع، وأصبحت أيقونة في القرية يحاول الجميع تقليدها بطريقتهم.

وأكد رئيس قسم الأدب الشعبي بمركز دراسات الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، أنّ مبادرة "كمامتك تساوي سلامتك" لاقت ترحابا من الأهالي بجميع فئاتهم ومراحلهم العمرية، حيث تحوّلت هذه الجداريات إلى مزار من قبِل شباب وفتيات القرية والقرى المجاورة وسائقي السيارات المارة بالقرية على طريق "المنصورة-بنها"، بجانب الحرص على التقاط الصور التذكارية أمام هذه الجداريات وهم يرتدون الكمامة، ونشرها على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

أخبار ذات صلة

مصر تعلن "ضوابط" صلاة التراويح في رمضان
إصابات كورونا بمصر ترتفع.. وتأهب لتوزيع اللقاح

مزار سياحي

بجوار إحدى الرسومات التي قامت الحملة بتنفيذها، وقف محمد أحمد يعدل من هيئته قبيل التقاط إحدى الصور مع الجدارية، قائلًا إن الرسومات معبرة للغاية عن الفترة الحالية، بجانب أن الفنان أحمد عبدالله أبدع فيها بالشكل الأمثل، غير أنّه يؤكد أن الرسمة من بداية تنفيذها كان يرى أنها لن تتم بالشكل الأمثل، ولن يكون لها فائدة، ولكن الأمور اختلفت تمامًا وأصبح الجميع يتحدث عنها.

وتابع أحمد خلال حديثه مع "سكاي نيوز عربية" أنّ الأهالي أصبحوا الآن يتحدثون عن الإجراءات والاهتمام بها، وهو ما يعبر عن أهمية الفن في التعبير عن الأزمة، وأنه أحد القوى الناعمة التي تحارب دومًا أي أزمات، وبسببه تغيّرت المفاهيم لدى السيدات والأهالي.

وفي الوقت الذي تمنى محمد سند أن تكون هناك رسومات أخرى مليئة بالتفاؤل والبهجة، وتعبر عن قرب انتهاء الأزمة، نوه أن كل فرد يستطيع أن يعبر تلك الفترة طالما لديه القدرة والإرادة لذلك، وأن تلك الحملة وما قامت به على الأرض، جعلت الجميع يتذكر دومًا أهمية الالتزام بارتداء الكمامات، إلى جانب المساعدة في العمل التطوعي.