اهتم المغاربة كثيرا بفوز فريق إشبيلية الإسباني مؤخرا بلقب الدوري الأوروبي لكرة القدم، حيث يضم الفريق ثلاثة لاعبين من أصول مغربية، بينهم منير الحدادي الذي أثار جدلا بين الجمهور المغربي حين ظهر متلحفا بالعلم الأمازيغي وهو يحتفل رفقة زملاءه باللقب.
وينقسم المغاربة، كما هو الشأن في باقي بلدان شمال أفريقيا حيث ينتشر الأمازيغ، بين رافض لحمل أي علم آخر غير العلم الوطني، وبين من يرى أن العلم الأمازيغي يعبر عن الهوية المشتركة للأمازيغ وأن حمله لا يتعارض مع الانتماء الوطني. وهو ربما ما عبر عنه الحدادي المنحدر من منطقة الريف والذي ظهر ليلة تتويج إشبيلية في صورة أخرى وهو ملتحفا بالعلم الوطني المغربي. فما هي قصة هذا العلم الذي يثير الجدل؟
نشأة العلم الأمازيغي
احتفلت الشعوب الأمازيغية الأحد 30 أغسطس، بالذكرى 23 للعلم الأمازيغي الذي يجمعهم تحت راية هوية مشتركة. وقد اعتمد العلم رسميا ذلك خلال المؤتمر الأول للكونغرس الأمازيغي العالمي الذي انعقد بجزر الكناري سنة 1997.
ويعتبر الكونغرس منظمة غير حكومية تضم نشطاء أمازيغ من شمال أفريقيا والصحراء، ويهدف إلى الدفاع عن حقوق الأمازيغ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودسترة الهوية الثقافية.
غير أن فكرة العلم ظهرت قبل مؤتمر جزر الكناري بسنوات وتحديدا في سبعينات القرن الماضي.
ونشأت الفكرة وتبلورت داخل جمعية في فرنسا تدعى بالأكاديمية البربرية ووالتي أسسها أساتذة وباحثون وفنانون معظمهم من منطقة القبائل الجزائرية.
وإلى جانب إنشاء العلم الأمازيغي فقد عملت الجمعية من خلال اهتمامها بالرموز الأمازيغية على إحياء حرف التفيناغ وهو لغة الكتابة الأمازيغية قديما.
ويؤكد الحسين بويعقوبي الأستاذ الجامعي والباحث في الثقافة الأمازيغية أن ألوان العلم ترمز إلى الرقعة الجغرافية لـ"تمازغا"،أي مناطق تواجد الشعوب الأمازيغية، والممتدة من المحيط الأطلسي الى واحة سيوة بمصر ومن البحر المتوسط إلى نهر النيجر في غرب إفريقيا.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" يوضح الأكاديمي المغربي أن اللون الأزرق يرمز إلى البحر، والأخضر يشير إلى السهول والجبال والأصفر يرمز إلى الصحراء. فيما يرمز الأحمر إلى التضحية وقد كتب به حرف الزاي الذي يحيل على اللغة الأمازيغية.
إزعاج السلطات
يؤكد النشطاء الأمازيغ أن العلم الأمازيغي له طبيعة ثقافية وهوياتية توحد كل الأملزيغ أينما كانوا، كما يجسد قيم "الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية". وفي كل مناسبة يجددون التأكيد على أن علمهم ذي الألوان الأربعة لا يتعارض مع الأعلام الوطنية.
وغالبا ما يثير رفع العلم الأمازيغي حفيظة السلطات في بلدان شمال أفريقيا التي يقطنها عشرات الملايين من الامازيغ. حيث اعتقلت السلطات الجزائرية السنة الماضية العشرات من المحتجين ووجهت اليهم تهمة رفع العلم الأمازيغي في مظاهرات الحراك الشعبي التي عجلت بإنهاء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وفي المغرب استدل به الوكيل العام في إحدى الجلسات القضائية كدليل إدانة، ضد بعض معتقلي مظاهرات الريف التي خرجت بمدينة الحسيمة شمالي المغرب في أكتوبر 2016.
وقد عرف "علم تمازغا" في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا، حيث رفعه النشطاء في مظاهرات حركة 20 فبراير عام 2011، وهي السنة التي شهدت إقرار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور الجديد للبلاد.
كما بدأ العلم الأمازيغي يرفع في التظاهرات الثقافية والفنية وفي مباريات كرة القدم خاصة في المدن الناطقة بالأمازيغية كالحسيمة وأكادير.
ويعتبر الحسين بويعقوبي الأستاذ الجامعي والباحث في الثقافة الأمازيغية في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" أن العلم الأمازيغي يرفع في أحداث تزعج السلطات أحيانا كالمظاهرات ذات الصبغة الاحتجاجية كما حدث سنة 2011، أو في ما يعرف بأحداث الحسيمة، لكن المغرب لم يصدر أي قرار واضح وصريح بمنع رفع العلم الأمازيغي".
ويوضح الأكاديمي المغربي أن "العلم الأمازيغي لا ينافس العلم الوطني وليس بديلا له بل هو علم هوياتي يرمز إلى ثقافة ولغة معينة تجمع المنتمين للعرق الأمازيغي".
وقد تجاوز العلم الأمازيغي حدود شمال افريقيا والصحراء حيث يرفع في مظاهرات عالمية من قبل الجاليات الأمازيغية كما يحدث بعدد من البلدان الأوربية وكندا.