بعد ربع قرن من ودلاة الإنترنت، واقتراب عدد مستخدميه من نصف سكان العالم، وتحوله إلى وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها لدى كثيرين، أصبحت الشبكة العالمية في خطر التقسيم مع فضائح التجسس الكبرى التي فجرها إدوارد سنودن المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي.

التسريبات التي نشرها سنودن في صحف أميركية وبريطانية كشفت تجسس الولايات المتحدة وحكومات أخرى على مواطنيها وعلى مستخدمي الإنترنت والهواتف الجوالة في العالم، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى مراقبة هواتف حلفاء لها كالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ومستخدمين في دول أخرى حليفة أبرزها فرنسا.

كما تضمنت عمليات التجسس جمع الولايات المتحدة نحو 200 مليون رسالة نصية يوميا في شتى أنحاء العالم، ومراقبة محتوى ملايين المكالمات الهاتفية يوميا، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تجاوزه إلى تعقب مواقع ملايين الهواتف الذكية في كافة الدول.

وذكر تقرير لموقع "كريبتوم" المتخصص في نشر الوثائق المسربة أن عدد عمليات التجسس التي قامت بها الولايات المتحدة في العالم العام الماضي بلغ 124 مليار عملية.

وربما كان أخطر ما كشفه سنودن، الموجود في روسيا حاليا، أن مكتب الاتصالات الحكومية البريطاني، التابع للاستخبارات، قام بالتجسس على الملايين من مستخدمي خدمة "ياهو" للمحادثات عبر كاميرات الويب واحتفظ بصور "عارية" لهم، فيما اعتبر انتهاكا صارخا للخصوصية.

المستشار السابق لوكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن

مواجهة التجسس

فضائح التجسس هذه تهدد عالمية الشبكة، فبعدها سعت الحكومة الألمانية والفرنسية إلى إنشاء شبكة اتصالات أوروبية تتفادى مرور البيانات عبر الولايات المتحدة، كما تعمل روسيا بمساعدة سنودن ذاته لبناء موقع تواصل اجتماعي منافس لفيسبوك، وتعتمد الصين بدائل محلية لمحرك البحث غوغل ومواقع التواصل الاجتماعي، وكل ذلك يهدد بتقسيم الشبكة العالمية إلى شبكات أصغر لا يمكن التواصل بينها.

وفي ظهور نادر عبر مكالمة فيديو مخاطبا الحاضرين لمؤتمر "ساوث باي ذاساوثيست" في ولاية تكساس الأميركية، الثلاثاء، اتهم سنودن وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة بأنها "تشعل حريقا في مستقبل شبكة الإنترنت".

"إدوارد سنودن: وكالة الأمن القومي الأميركي "تشعل حريقا في مستقبل شبكة الإنترنت""

إدوارد سنودن

وتمارس أغلب حكومات العالم هذا النوع من التجسس على مستخدميها، ويشهد على ذلك التقارير التي تقدمها شركات الإنترنت وأبرزها فيسبوك وتويتر وغوغل وياهو عن الطلبات التي تتلقاها من الحكومات للحصول على معلومات المستخدمين.

وفي هذا السياق، دعا مخترع شبكة الإنترنت، تيم برنرز إلى وضع شرعة للإنترنت لمواجهة الرقابة الحكومية على الشبكة العالمية داعيا إلى "إنترنت حر وحيادي".

وأصابت هذه التسريبات مستخدمي الإنترنت والأجهزة المتصلة بالشبكة العالمية، بالذعر بعد أن أيقنوا أن كل اتصالاتهم وتحركاتهم وحتى قوائم الاتصال الخاصة بهم متاحة للوكالات الحكومية التي تكرر دائما أن كل ما تقوم به هو لـ"حماية مواطنيها من الإرهاب وتعقب المجرمين".