ربما تغلق الولايات المتحدة مكمنا للهيليوم في تكساس عمره 90 عاما الشهر المقبل، وهو ما قد يربك الإنتاج ويزيد التكاليف على شركات التكنولوجيا المتطورة التي تشمل منتجاتها أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وأشباه الموصلات ويهدد قطاع الرعاية الصحية والأبحاث الطبية.

وناشد أكثر من مئة مؤسسة وجامعة وشركة منها سيمنس وفيليبس وسامسونغ وجنرال إلكتريك الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي التدخل لمنع إغلاق المكمن، لأن ذلك سيضر الاقتصاد الأميركي ويعرض ملايين الوظائف للخطر.

ويعرف الهيليوم بأنه الغاز المستخدم في ملء البالونات في الاحتفالات، لكنه يستخدم أيضا في صناعات الطيران والدفاع، وفي تصنيع الهواتف الذكية وشاشات التلفزيون المسطحة والأجهزة الطبية وأسطوانات الغوص.

ويصعب تجميع الهيليوم الذي يعد ثاني أكثر العناصر الكيميائية وفرة في الكون، كما يصعب تخزينه، وهو ما يجعل المكمن الأميركي مصدرا حيويا لهذا الغاز.

ويوفر الاحتياطي الاتحادي الأميركي للهيليوم نحو ثلث إنتاج الهيليوم الخام العالمي و40% من المعروض بالسوق الأميركية. لكن هذا سيتوقف بعد يوم السابع من أكتوبر ما لم يتدخل الكونغرس لإبقاء الاحتياطي مفتوحا.

افتتحت الولايات المتحدة المكمن الذي يقع بالقرب من أماريلو في ولاية تكساس سنة 1925 لتوفير الهيليوم للمناطيد، وقد لبى احتياجات البلاد في فترة الحرب الباردة وسباق الفضاء.

وفي عام 1995 بلغت ديون المكمن 1.4 مليار دولار نتيجة مشتريات هيليوم سابقة من منتجين في القطاع الخاص. وسينتهي سداد هذه المديونية لوزارة الخزانة الأميركية بنهاية الشهر الجاري. وبموجب القانون سيتوقف تمويل هذا البرنامج الاتحادي بعد ذلك، وهو ما سيؤدي إلى توقف العمليات.

ويتعين على الكونغرس تعديل القانون أو إقرار قانون جديد إذا أراد الإبقاء على المكمن. ورفعت مصافي تكرير الهيليوم الأسعار بالفعل تحسبا لإغلاقه.

وقالت شركة جنرال إلكتريك للرعاية الصحية التي تستخدم الهيليوم في صناعة أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي إن السعرالفوري للهيليوم السائل قفز إلى ما بين 25 و30 دولارا للتر من ثمانية دولارات في العام الماضي.

وقال ريتشارد هاوسمان الرئيس والرئيس التنفيذي لقسم الرنين المغناطيسي بالشركة "لا شك أن الوضع ينطوي على تحديات. يجب أن نبحث عن مصادر مختلفة للهيليوم، وألا نكتفي بالمعروض الأميركي وحده. استثمرنا 17 مليون دولار في مصنع لتجميع الهيليوم المستعمل."

وتستخدم الشركة نحو 5.5 مليون لتر هيليوم سنويا في وحدة الإنتاج التابعة لها في ساوث كارولاينا، وستة ملايين لتر أخرى سنويا لصيانة أجهزة الرنين المغناطسي في الولايات المتحدة.

وقد يؤدي استخدام غازات بديلة للهيليوم إلى تدني جودة المنتجات، أو قد يتطلب إعادة تهيئة ماكينات المعالجة والتصنيع. وهي عملية مكلفة ونتائجها غير مؤكدة.

وقال رودني مورغان نائب رئيس قسم المشتريات بشركة مايكرون تكنولوجي لتصنيع ذاكرات الكمبيوتر أمام جلسة استماع في لجنة الموارد الطبيعية بمجلس النواب الأميركي في وقت سابق هذا العام "إذا حدث اضطراب في الإمدادات لفترة طويلة فقد يؤثر ذلك على الاقتصاد برمته."

ويبقى الهيليوم سائلا عند درجات حرارة شديدة الانخفاض، ما يجعله مثاليا لتبريد أشباه الموصلات المستخدمة في صناعة الإلكترونيات وفي أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي التي تساعد في تشخيص الأمراض.

وتمثل تكلفة الهيليوم ما يصل إلى 30 أو 40% من ميزانيات الأبحاث، وبالتالي فإن مزيدا من ارتفاع الأسعار قد تعطل سير العمل. وتم تعليق بعض المشاريع البحثية في جامعات في بريطانيا ووقف تشغيل أجهزة لمسح المخ العام الماضي بسبب نقص الهيليوم.

والهيليوم منتج ثانوي من عملية إنتاج الغاز الطبيعي لكن لا يمكن تجميعه بعد إطلاقه في الجو. وقد زاد الطلب على الهيليوم لاسيما مع انتعاش قطاع الصناعات التحويلية في آسيا.

وبلغ الإنتاج العالمي للهيليوم نحو 175 مليون متر مكعب عام2012 بحسب بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية. لكن من المتوقع أن يرتفع الطلب إلى أكثر من 300 مليون متر مكعب عام 2030.

وقال ريتشارد كلارك مستشار الموارد والمتخصص السابق في الهيليوم في مركز كولهام لطاقة الانصهار في أكسفورد "حتى بدون إغلاق المكمن ليست الأمور على ما يرام. هناك نقص مؤكد بنحو 3%. وكل ما يتم إنتاجه يستهلك فورا."

ويكتسب المكمن الأميركي أهمية لأن إمدادت دول أخرى مثل قطر وروسيا والجزائر لا تزال غير منتظمة أو لا تكفي لتغطية نقص المعروض الأميركي.

وقد توفر قطر ما بين 20 و25% تقريبا من إنتاج الهيليوم العالمي حين يصل مصنعان كبيران لتسييل الهيليوم في الدولة الخليجية إلى الطاقة الإنتاجية الكاملة. وافتتحت شركة إير ليكيد مصنعا طاقته الإنتاجية 38 مليون متر مكعب سنويا الشهر الماضي لكنه لم يصل إلى العمل بطاقته الإنتاجية الكاملة بعد.

وتوفر الجزائر إمدادات تتراوح بين عشرة و15% من الإنتاج العالمي وقد تعزز إنتاجها إذا استخلصت الهيليوم من أنابيب تصدير الغاز الطبيعي المتجهة إلى جنوب أوروبا.

وتقول شركة إرنست آند يونغ للاستشارات إن روسيا تسهم حاليا بنحو 3.6% من إنتاج الهيليوم العالمي لكن عليها أن تبني كثيرا من منشآت الغاز في سيبيريا لتعادل ما تنتجه الولايات المتحدة بحلول 2022-2025.