تحمل كربلاء في معركتها ضد ظاهرة التصحر التي تضرب العراق بشدة سلاحا أوحد هو زراعة الأشجار، في الوقت الذي تتواصل فيه معاناة البيئة في بلاد تعيش على وقع حروب لم تتوقف منذ عقود.
وتشتهر كربلاء، 110 كيلومترات جنوبي بغداد، باحتضانها لمرقدي الإمامين الحسين وشقيقه العباس، لكنها تبدو اليوم أيضا على مشارف اكتساب شهرة من نوع آخر عنوانها الحزام الأخضر.
ويشمل هذا المشروع، الذي يفترش منذ 6 سنوات أرضا بطول نحو 27 كيلومترا وعرض 100 متر، تقع غربي المدينة المقدسة لدى الشيعة، آلاف الأشجار الصغيرة التي يبلغ طول الواحدة منها نحو مترين.
وبعد أن كانت هذه الأرض عبارة عن منطقة عسكرية، تحولت منذ عام 2006 إلى خط الهجوم الأول في كربلاء في مواجهة العواصف الرملية وارتفاع نسبة الملوحة في التربة.
ويقول المسؤول عن مشروع "الحزام الأخضر" حسن جبار "ستلتهمنا الصحراء إن لم نفعل شيئا، علينا أن نكون في موقع الهجوم وليس الدفاع، وأن نبني مشاريع إروائية جديدة".
ويقوم المشروع على زراعة 62000 شجرة زيتون، و20500 شجرة نخيل، و37000 شجرة كينا، و4200 شجرة تمر هندي، وهي أشجار جرى اختيارها استنادا إلى قدرتها على المقاومة وعلى نوعية الثمار التي تنتجها.
ويعبر محافظ كربلاء آمال الدين الهر، وهو المدير السابق لدائرة زراعة محافظة كربلاء، عن اعتزازه بالمشروع الذي يرى أنه يتفوق على مشاريع أخرى مماثلة في العراق. حسب ما أوردت عنه وكالة فرانس برس.
ويوضح أن "العراق يواجه التصحر منذ 30 عاما، لكن بحسب دائرة مكافحة التصحر، فإن هذا المشروع هو الأكبر والأكثر أهمية في العراق".
ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، فإن العراق الذي تبلغ نسبة الأراضي الصالحة للزراعة فيه نحو 28%، يخسر سنويا حوالى 25000 هكتار بسبب تدهور وضع التربة، إذ أن 39% من هذه الأراضي الصالحة للزراعة أصابها التصحر الذي يهدد أيضا 54% منها.
وليس العراق وحيدا في معركته مع التصحر، إلا أن موقعه الجغرافي يجعله أكثر هشاشة من غيره.
ويقول مدير قسم التصحر في وزارة الزراعة العراقية محمد غازي سعيد، إن "العراق خاض العديد من الحروب التي أصابت البيئة بأضرار كبيرة".
ويوضح أن "الظاهرة بدأت بقوة مع اجتياح الكويت عام 1991، خلال حقبة حرب الخليج، واحتراق آبار النفط في الكويت. تذكروا أن العراق أصبح أسود اللون بفعل الدخان، ما أدى إلى تسميم التربة والمياه والقضاء على مساحات زراعية واسعة"، إلى جانب التغير المناخي وموجات الحرارة العالية.
ووضعت الحكومة العراقية خريطة طريق لمكافحة التصحر، واعتمدت برامج عدة من بينها "الحزام الأخضر" في كربلاء وزيادة جهود الزراعة في المناطق القريبة من الصحارى التي تمتد في محافظة الأنبار غربي البلاد.
ولكن سعيد يشير إلى أنه "فيما بدأ العراق يلعب دوره في هذا السياق، لم تبذل دول الجوار جهودا"، مضيفا أن "65 إلى 70% من أسباب التصحر تأتي من دول الجوار التي توجب عليها أن تصرف أموالا أكثر على معالجة هذا الموضوع".
ويتابع "ليس من المهم زراعة شجرة، لكن ما هو أهم المحافظة عليها. لا بد من القول أن الحكومة ليست قادرة بعد بل إنها ضعيفة حين يتعلق الأمر بمواصلة المشاريع بعدما تنطلق".
ويرى محافظ كربلاء من جهته أن "العواصف الرملية أصبحت تمثل مشكلة أكبر من الانفجارات، إذ أنها تدفع الناس إلى زيارات أكثر للمستشفيات التي لم تعد تتسع للمرضى".