في الوقت الذي يعيش فيه العالم على وقع أزمة كبيرة في الطاقة، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتهديدات توقف الغاز الروسي عن القارة الأوروبية، تمكنت مصر خلال سنوات قليلة من إنشاء مصادر متنوعة لتوليد الكهرباء، ولكن رغم ذلك تتواصل الجهود العلمية للوصول إلى مصادر الطاقة المتجددة والاستفادة منها على النحو الأمثل، وهو الدافع الذي حرك فريقا من كلية الهندسة والتشييد بالجامعة الأمريكية في القاهرة لتقديم مشروع

ورغم كون الفكرة ليست بجديدة، فإن قيام عدد من الطلاب بتطبيقها بمواد محلية تجعل من تنفيذ هذا الابتكار شيئا في المتناول خاصة في بلد يحاول النهوض اقتصاديا عبر ترشيد موارده واستخدامها بشكل أمثل.

 وأكد الدكتور "محمد نجيب أبو زيد"  أستاذ هندسة التشييد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والمشرف على المشروع البحثي أن هدف هذا الابتكار هو تعزيز السلامة في الشوارع والطرق السريعة.

وأوضح أبو زيد في حديث لسكاي نيوز عربية أنه من المنتظر تطبيق الفكرة على نطاق أوسع بعينات أكبر، من خلال تعريض الخرسانة لأحمال حقيقية في مساحة أكبر على الطبيعة، في جزء من طريق على سبيل المثال، وإذا نجح الأمر يتم تطبيقه في المستقبل القريب واعتماد الفكرة في بعض المشروعات، متوقعا تحقيق هذا المشروع للنجاح بشكل علمي.  

أخبار ذات صلة

أكبر كمية صب للخرسانة في العالم

وأضاف أستاذ هندسة التشييد بالجامعة الأمريكية: "أمامنا تحدي التكلفة بحيث نجعل هذه الخرسانة تستخدم بتكلفة اقتصادية معقولة مع الأخذ في الاعتبار أن التكلفة ليست تكلفة المواد فقط وإنما توفير الطاقة ومعدلات الأمان، وتحقيق السيولة المرورية، وحماية البيئة، وأي دراسة جدوى اقتصادية يجب أن تؤخذ هذه الأمور في الاعتبار". 

الخرسانة ذاتية الإنارة

 

المدى الزمني لتطبيق المشروع

وبين أنه يصعب تحديد مدى زمني معين للوصول لتطبيق الابتكار بشكل عملي، لكنه توقع أن الدراسات تستمر لمدة سنة أو سنتين وخلال هذه المدة يمكن تجربة الفكرة بشكل جزئي في مناطق ليس بها خطورة لاختبارها، حتى يتم التطبيق الآمن لها واختبار مدى صمود الخرسانة أمام الظروف الجوية وتحملها.

ولفت إلى أن الخرسانة تعتمد على مواد قادرة على تخزين الضوء وإخراجه مرة أخرى، وتمت تجربة عدد من المواد بها هذه الخواص، ويتم الاختيار من هذه المواد حسب درجة الإضاءة وقوتها، ومدى استمرارها، وألا تكون مسألة الإضاءة على حساب متانة الخرسانة وقوتها وتحملها للأحمال كمادة إنشائية.

الخرسانة تشع ليلا بالاعتماد على الطاقة المتجددة

 

 وشدد المشرف على المشروع البحثي على: "أهمية الاستفادة من البحث العلمي من الطلبة في مرحلة مبكرة، مؤكدا أن هذا المنتج سيتحسن ويتطور، وهو فكرة مهمة نعمل على رعايتها حتى لا نضطر في النهاية لاستيراد منتج بهذه المواصفات من الخارج بأضعاف سعره، فالمنتج فكرته أكيدة وفعاليته حقيقية لكن الفكرة في الوقت الحالي تحسينه والوصل للطريقة المثلى في الاستفادة منه".

من جانبها قالت "زينب محمود عبد العزيز" وهي عضو بالفريق الطلابي لهذا المشروع إن هذه الخرسانة تختلف عن العادية، فهي تستطيع امتصاص الضوء سواء من الشمس أو أي مصدر آخر، وبعد ذلك تقوم بإعادة هذا الضوء لنا في وقت غياب الشمس كإنارة، بهدف استخدام مصادر الطاقة المستدامة دون الاعتماد على المصادر التقليدية.

وأضافت أن: "فريق البحث بنى فكرته على أبحاث سابقة في هذا المجال لكنه حرص على استخدام مواد متاحة في مصر تساعد في تنفيذ الفكرة وفي نفس الوقت تستمر متانة الخرسانة وقدرتها على التحمل وقوتها كما هي، فمكونات الخرسانة نفس المكونات الطبيعية لكن يضاف إليها مواد بنسب معينة حتى تؤدي هذا الدور وهي تعمل بشكل يشبه الطاقة الشمسية، ما يجعل هناك حاجة لاختيار مواد متوفرة محليا وتحقق النتائج المرجوة منها دون التأثير على الخواص الميكانيكية للخرسانة".

وبينت أن هذا البحث في حال تنفيذه بشكل عملي ينتج خرسانة يمكن دمجها في نظام البنية التحتية لإضاءة الطرق السريعة ومسارات الدراجات، والأماكن التي يصعب توفير فيها أعمدة الإنارة مثل طرق السفر وغيرها، وهي توفر في استخدام الكهرباء، بالاعتماد على مصادر متجددة للطاقة. 

ولفتت زينب إلى أنه تم عرض هذا البحث في الاجتماع السنوي 101 لمجلس أبحاث النقل الذي عقد في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2022، وهو ما ساعد الطالبات على التواصل مع الخبراء في المجال والاستفادة منهم.

أصل الفكرة

وفكرة الخرسانة المضيئة أو الإسمنت المضيء أو الفسفوري ليست بجديدة وإنما هي نتاج بحوث كبيرة تم التعرف عليها على نطاق واسع في بداية عام 2016 من خلال فريق بحثي يقوده "خوسيه كارلوس روبيو أفالوس"، الباحث في جامعة ميتشواكان في سان نيكولاس دي هيدالغو في المكسيك ، حيث تمكنوا من إنتاج  نوع جديد من الأسمنت الفسفوري الذي يمكن أن يضيء الطرق السريعة أو مسارات الدراجات أو المباني دون استخدام الكهرباء. 

هذا الابتكار قلب المعايير بتحويل الإسمنت المعتم الى إسمنت مضيء وذلك بالتعديل في التركيب الداخلي للإسمنت، مما نتج عنه مادة تسمح بامتصاص الاشعة الفوق بنفسجية من المصادر الضوئية وإعادتها على شكل وهج في الظلام يضيء ما حوله.

روبيو، كان قد أوضح ان الإسمنت المضيء سيعني انتهاء عالم أعمدة الإنارة الطرقية، وهذا يعني أن الشارع نفسه سيضيئ الطريق لسائقي السيارات، وهذا سيوفر في الطاقة الكهربائية على المستوى العالمي، حيث يعمل الفوسفور في الإسمنت على امتصاص ضوء الشمس، المباشر وغير المباشر، وكل أشعة فوق بنفسجية، في النهار ثم يطلقها في المساء مجددًا بشكل ضوء وبعد انقضاء النهار، وغياب الشمس، يستطيع الشارع أن يشع بالنور طوال 12 ساعة كاملة. 

والإسمنت الفوسفوري لا يختلف عن الإسمنت العادي، وفق روبيو، لأنه عبارة عن مسحوق يضاف إليه الماء فيتحول إلى كتلة جيلاتينية تتصلب بالتدريج ، إلا أنه أكثر متانة ثم تمت إضافة مادة أخرى عبارة عن مزيج الإسمنت والفوسفور، مهمتها منع الضوء من اختراق طبقة الإسمنت بالكامل وهذا هو سر متانة الإسمنت الفوسفوري.

وحصل العالم المكسيكي على براءة اختراع لابتكاره المطوّر للإسمنت، الذي يقول إنه يحافظ على خواصه المشعة لمائة سنة على الأقل بعكس المواد البلاستيكية الفلورسنت والتي لا تدوم، ويمكن أن يعمل حتى في الأيام الغائمة والأماكن الداخلية، طالما أنه يتعرّض إلى الموجات فوق البنفسجية خلال النهار. 

وكان موقع "Scientific American"  قد علق على هذا الأمر في عام 2016 بالقول: "عن طريق استخدام الإضافات، استطاع العلماء مَنع تكوُّن البلورات والتي تتكوَّن بشكلٍ طبيعي مع عملية إنتاج الأسمنت، مُكونين بهذا الأمر مادةً بحالة مُشابهة للزجاج تسمح بمرور الضوء إلى داخلها، وأن تغيير نسبة الإضافات المُضافة أثناء عملية تصنيع الأسمنت تُنظم كلًا من شدة الإضاءة ولونه حتى لا تتسبب شدة الإضاءة بتشتيت السائقين عند استخدام الخلطة على الطرق مثلا". 

وفي وقت سابق، قالت "كارمن أندريد"، الباحثة في معهد علوم البناء التابع للمجلس الوطني الإسباني (CSIC) لعلوم البناء في مدريد، "إنه تطبيق يمكن أن يستحق التطوير في البلدان والمناطق التي تعاني من ضعف الوصول إلى الكهرباء في المجتمعات ذات مستويات الحياة السيئة، لافتة إلى أن "الأسمنت مادة قلوية جدًا ، لذا يجب دراسة ثبات هذه المركبات، وكيفية إصلاحها."