فيما تتزايد الدعوات لعالم متعدد الأقطاب على أنقاض تجارب الثنائية والأحادية القطبيتين، على مدى عقود طويلة، وما خلفته من حروب وأزمات وتنميط العالم وتقسيمه وفق مصالح قطب أو أثنين ،أكد المستشار الألماني أولاف شولتز، في بيان حكومي أمام البرلمان (البوندستاغ) الأربعاء، أن عالم القرن الحالي سيكون "متعدد الأقطاب" .

وشد شولتز على أن :"فكرة عصر ثنائي القطب، حيث يدور كل شيء حول الولايات المتحدة والصين، تتجاهل الواقع العالمي، سيكون عالم القرن الحادي والعشرين عالما متعدد الأقطاب".

تنويع العلاقات

قال شولتز إن الأمر يتعلق بتنويع العلاقات في جميع أنحاء العالم، وبتدشين شراكات وثيقة مع الدول الناشئة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مضيفا أن لدى الأوروبيين مجموعة واسعة من القيم والمصالح المشتركة مع أهم شريك عالمي لهم - أميركا - ولكن لا يمكن استبعاد اختلافات في بعض القضايا.

أخبار ذات صلة

تزامنا وقمة واشنطن.. ماذا تنتظر أفريقيا من الولايات المتحدة؟

 تمايز عن واشنطن

واعتبر خبراء أن كلام شولتز يعكس نزعة للتمايز عن الرؤية الأميركية والأطلسية، التي تعتبر الصين هي الند والمنافس الأكبر، وهو ما دفع مراكز دراسات وأبحاث غربية للحديث عن عودة نظام القطبية الثنائية العالمية في المستقبل القريب وركناها هذه المرة : الولايات المتحدة والصين.

وأعتبروا أن شولتز بتصريحاته هذه يدحض هذه النظرية، ويرى أن العالم أكبر من أن يختزل فقط في دولتين مهما كانتا كبيرتين وقويتين، وأن المستقبل هو لتعدد الأقطاب بعيدا عن المركزيات القطبية الآفلة.

نحو قطب أوروبي

ويرى محللون أن ألمانيا تحاول بذلك لعب دور قيادي لبلورة قطبية أوروبية منافسة وفاعلة في عالم الأقطاب المتعددة، معتبرين أن الأزمة الأوكرانية كشفت حاجة أوروبا الماسة لغطاء أمني وسياسي استراتيجي خاص بها .

يقول الباحث والزميل غير المقيم بمعهد ستيمسون الأميركي للأبحاث عامر السبايلة، في حديث لموقع سكاي نيوز عربية :"هذه الرؤية التي عبر عنها شولتز تشكلت في أوروبا منذ سنوات وهي ليست جديدة تماما، حتى أن القارة العجوز سعت بالفعل لنسج علاقات استراتيجية متوازنة مع مختلف الأقطاب العالمية ومن أبرزها روسيا، وفي هذا السياق جاء إنشاء خط السيل الشمالي الثاني لنقل الغاز الروسي، كنتاج فكرة ألمانية لتعزيز الشراكة والتعاون مع الروس، وهو ما لاقى تحفظا أميركيا كما هو معلوم".

ويضيف الخبير الاستراتيجي :"هذا الموقف الألماني فحواه، أنه إن قبل الأوروبيون الاصطفاف ضد موسكو على خلفية حربها الأوكرانية وما تشكله من تهديد للقارة الأوروبية ككل، لكنهم لن يكونوا جزءا من أي تخندق غربي وأطلسي ضد الصين، كون أوروبا لا تستطيع تحمل كلفة وتداعيات مواجهة مفتوحة مع بكين، وهم غير راغبون أصلا بهكذا مواجهة مبدئيا".

ويقول السبايلة :"في هذا الإطار جاءت زيارة شولتز الأخيرة للصين، ودعوته من هناك لاعادة بناء علاقات تفاعلية قوامها المصالح المشتركة، وهذه نظرية تتطور الآن وتنتشر بقوة في دوائر الحكم والفكر الاستراتيجي في أوروبا وغيرها من مناطق وتكتلات حول العالم، ومفادها أننا لسنا في حرب باردة ولا تصادم الأقطاب، بل حيال إعادة هندسة تشاركية لمشهد العلاقات والتوازنات الدولية، تهدف للحفاظ على المصالح وتنظيم تشابكها، في ظل اختفاء الحروب الأيديولوجية، حيث تتعدد الأقطاب مع تعدد المصالح، وهكذا فمن الطبيعي أن يبني الأوروبيون سياساتهم وفق هذا النظرة، وخاصة الألمان والفرنسيون".

بدوره، يقول الباحث والخبير بالشؤون الألمانية ماهر الحمداني، في حديث لموقع سكاي نيوز عربية :"أوروبا كغيرها من قوى عالمية كبرى، كروسيا والهند والصين والعديد من الدول المؤثرة، تبحث عن مكان لها تحت شمس القرن الجاري، وهو ما تعمل الولايات المتحدة على عرقلته حفاظا على أحاديتها القطبية القائمة منذ 3 عقود، وهكذا فأوروبا ترى أن الفرصة سانحة لظهور أقطاب عالمية جديدة، وأنها تشكل أحد هذه الأقطاب، ولهذا فكلما خطى الاتحاد الأوروبي خطوة نحو تعزيز اعتماده على نفسه أمنيا ودفاعيا، كلما كان صوته أعلى للتمايز عن الولايات المتحدة".

افتراق ضفتي الأطلسي
ويضيف الحمداني :"بمعنى أنه كلما استغنى الأوروبيون عن الاعتماد على الولايات المتحدة أمنيا ووضع كل بيضهم في سلته، كلما كانوا أقدر على رسم استراتيجية خاصة بهم وتأخذ مصالحهم بالدرجة الأولى في اعتباراتها، بعيدا عن الظلال الثقيلة للاستراتبجية الأميركية على المنظومة الأوروبية، والتي تطمس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تبلور أية توجهات استراتيجية استقلالية عن واشنطن في أوروبا، وهو ما يثير خاصة حفيظة كل من باريس وبرلين الباحثتين عن فرصهما الضائعة، لبلورة كيان أوروبي قوي ومستقل عن التبعية المطلقة لضفة الأطلسي الغربية".

أخبار ذات صلة

محطات مهمة.. 3 عقود من الأزمات المتلاحقة في السودان

 ويختم الخبير بالشؤون الألمانية :"التحالف الأميركي الأوروبي تزعزع مع مضي واشنطن نحو رسم سياساتها الخارجية وفق مصالحها الخاصة فقط، دون الأخذ بالاعتبار مصالح حلفائها الأوروبيين، بل وهم من يدفعون ثمن أخطاء سياسات واشنطن تلك، رغم معارضتهم لبعضها، وخير مثال هو أن المواطن الأوروبي هو من يدفع الضريبة الأكبر الآن لما يحدث من صراع روسي أطلسي على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما خلفه من أزمات طاقة وأمن وغذاء، وهذا ما يشجع أوروبا على التفكير بمصلحتها أولا وبالتمرد ولو المتدرج على الأحادية القطبية، ويدفعها نحو الاعتماد على قدراتها الذاتية لحماية نفسها، وهنا فإن فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد تبدو واردة التطبيق وبقوة في المدى المنظور".