حملت بيدها الرقيقة علم بلادها، وخرجت من نافذة السيارة مطلة على أفراح مدينتها طرابلس التي تحتفل بالذكرى الثانية لـ"ثورة 17 فبراير" في ميدان الشهداء، ولمعت في عينيها أنوار الألعاب النارية.

الطفلة أحلام ضحكت مستشرفة الوطن "المحرر"، ليبيا الجديدة بعد العقيد الراحل القذافي.

منذ سنوات مضت في الميدان الذي كان يسمى "الساحة الخضراء"، نصبت منصة ليقف عليها القذافي ويلقي خطابه على الشعب، حيث تم تجهيز المكان ودعوة الأشخاص للحضور وتسليمهم أعلام ليبيا (الخضراء القديمة) بالمجان وقد طلب منهم بالتحديد ما يمكنهم فعله على حد قولهم.

وقف القذافي على المنصة وقال: "ارقصوا، وغنوا افرحوا وامرحوا"، ثم لوح بيديه مودعا.

والآن خرج الليبيون في ذكرى ثورتهم إلى الميدان ذاته بشكل عفوي، دون دعوة من جهة سياسية أو حكومية أو حزبية، وأنفقوا على احتفاليتهم من جيوبهم الخاصة.

وزينت الأعلام الثورية ميدان الشهداء والسيارات والمباني، علم ليبيا الثوري، والعلم الأمازيغي، حتى إن علم الثورة السورية كان حاضرا بأيادي الليبيين.

ولم يقتصر الاحتفال في الشوارع والساحات فقط، بل امتد إلى السماء التي تزينت بالمناطيد المضيئة والألعاب النارية وعروض القفز بالمظلات.

امتزجت البهجة والفرح والأهازيج بأبواق السيارات والأغاني الثورية، تصدح بنشيد الاستقلال "قد تحررنا وحررنا الوطن".

ولم يردع البرد الأطفال عن الخروج حتى في ساعات الليل المتأخرة، والنساء حضرن وتوسطن المشهد، يكبرن وينشدن ويلوحن بالأعلام.

وقالت مواطنة ليبية تدعى رجاء أحمد: "سعادة كبيرة التي نشعر بها اليوم لاستحقاقنا الحرية التي وصلنا إليها بدفع الدماء، قتل من قتل وجرح من جرح وكانت تضحية كبيرة من قبلهم، لكن النتيجة كانت تفوق التوقعات، نحن اليوم أحرار".

وأضافت: "أتمنى لأشقائنا في سوريا النصر على الظلم، والعودة إلى الحياة الطبيعية بعيدا عن القتل والتدمير في ظل الديمقراطية".

لكن وسط هذه الأجواء الاحتفالية، كانت للناشط السياسي جمال الحاجي مآخذ على المؤتمر الوطني، أعلى سلطة في ليبيا.

وصرح الحاجي لـ"سكاي نيوز عربية" قائلا: "البطء ومستوى الكفاءات والخبرات هي مآخذي على المؤتمر الوطني الليبي، أيضا الرؤية غير الواضحة للتحول، ووضع الأولويات".

وقال الحاجي إن "من المفترض أن يكون السلاح موجودا في يد المؤتمر الوطني وليس بيد الليبيين"، واتهم المؤتمر بتحويل القضية الليبية من قضية سياسية إلى قضية أمنية، في إشارة إلى الانتشار غير المقنن للسلاح بين أيدي الميليشيات الليبية التي يرفض بعضها الانضمام إلى قوات الأمن أو الجيش الليبي.

وأوضح أن: "المؤتمر يحاول إرجاع النظام السابق عن طريق تعيين مسؤولين منه في مفاصل الدولة. هناك دول عظمى تدفع بهذا الاتجاه"، مشيرا إلى أن هناك "المئات وليس العشرات من العملاء".

ويرى المواطن الليبي مجدي جمال أن هناك أمورا عدة على الليبيين التفكير بها بعد هذا "الإنجاز"، وأوضح قائلا: "لدينا الكثير من المطالب أولها تصحيح مسار المؤتمر الوطني، والعزل السياسي، وتطهير القضاء، والوصول إلى المصالحة الوطنية".

لكنه أكد على أن: "هذا الوقت هو للاحتفال، وهو عيد الليبيين يجب أن نعيش اللحظة بكل ما فيها من معنى، وكل ما لدينا من مطالب سنسعى إلى تحقيقه بعد هذا العرس الوطني".