أثار كشف وسائل إعلام أسترالية النقاب عن هوية مواطن يحمل الجنسية الأسترالية، توفي في سجن إسرائيلي قبل نحو عامين، عاصفة من ردود الفعل في كل من أستراليا وإسرائيل، دفعت بالسلطات الإسرائيلية إلى الاعتراف بأنه كان إسرائيليا، وأنه كان مجندا لصالح استخباراتها الخارجية "الموساد".

فيوم الثلاثاء الماضي كشفت شبكة التلفزيون الأسترالية (أيه بي سي) عن هوية المواطن الذي يحمل ثلاثة أسماء مختلفة هي: (بن زيغير) و(بن آلون) و(بن ألن)، وهو شاب في الثلاثينات جندته "الموساد"، واختفى منذ فبراير عام 2010 .

وهو كشف يبدو أنه أجبر إسرائيل على الاعتراف بأنه كان سجينا لديها في سجن أيالون، أكثر السجون الإسرائيلية مراقبة وحراسة، ونزلاؤه هم من المتهمين بجرائم خطيرة  تهدد أمن الدولة. وعللت إسرائيل اعترافها بأنه أعقب حكما قضائيا يفيد بأن السجين الذي سمي "ْX" كان معتقلا في سجن إسرائيلي وانتحر في داخله.

وكانت الاستخبارات الأسترالية حققت في يونيو 2009 مع بن زيغير، وثلاثة إسرائيليين آخرين يحملون جوازات سفر إسرائيلية، بعد شكوك في تجسسهم لصالح إسرائيل، بحسب صحف أسترالية، لكن أجهزة الاستخبارات الأسترالية لم تتبلغ من نظيرتها الإسرائيلية أي معلومات عن السبب وراء اعتقالها هذا الشخص في إسرائيل.

اغتيال المبحوح

"تدور شبهات أن العميل X شارك باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي يناير 2010."

ومن التحليلات عن سبب اعتقال زيغير ما نشرته جريدة "الجريدة" الكويتية عن الشبهة في أنه كان أحد عناصر خلية الموساد التي اغتالت القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي في  يناير 2010، وفقا لما نقلته الصحيفة عن مصادر غربية أضافت أن زيغير بدأ الاتصال بشرطة دبي وأخبرها عن تفاصيل عملية الاغتيال، وأبلغ السلطات في الإمارة عن أسماء وصور جميع أعضاء الخلية مقابل الحماية من دبي، وهو ما نفاه قائد شرطة دبي ضاحي خلفان، قائلا إن زيغير لم يقدم أي معلومات عن حادثة اغتيال المبحوح.

وقال الخلفان في تصريحات لجريدة  "آريبيان بيزنس" إن سبب الانتحار قد يكون اكتشاف أن زيغير كان قاتلا مأجورا فر من العدالة.

وبرزت تساؤلات في إسرائيل -التي تتفاخر بنظامها الديمقراطي- عن أسباب الغموض الذي أحاط بظروف اعتقال عميل للاستخبارات ووفاته في زنزانة معزولة، رغم المعرفة المسبقة بأن تطبيق القانون في إسرائيل يتوقف عندما يتعلق الأمر بقضايا تهدد أمن الدولة.

وطلب من حراس السجن الذين لم يكونوا يعرفون هوية هذا السجين، ولا التهم التي أدخل بسببها إلى سجن أيالون، ألا يكثروا من الاسئلة عن المدعو "X"، حتى اليوم الذي وضع فيه حدا لحياته. وعندما قيل إنه انتحر في ديسمبر 2010 اتصل حارس السجن بخدمة الإسعاف وطلب من الموظفة إرسال سيارة للعناية المركزة، إلى سجن أيالون، فطلبت منه تزويدها بتفاصيل الشخص المنتحر، لكنه لم يتمكن من تزويدها بها.

جوازات مزورة

"العميل X واثنان آخران تقدموا بطلبات للخارجية الأسترالية لاستصدار جوازات سفر بأسماء مختلفة."

وفي مقابلة أجرتها الجمعة القناة الثانية الأسترالية مع الضابط في الاستخبارات وارن ريد، قال إن أجهزة الأمن الأسترالية باشرت تحقيقا بعد أن تقدم زيغير واثنين آخرين بطلبات للخارجية الأسترالية باستصدار جوازات سفر جديدة بأسماء مختلفة، وكما يجري عادة تخضع الطلبات لفحوص أمنية من قبل جهاز الأمن الداخلي.

وأوضح ريد أنه لن يتفاجأ ببقية القصة قائلا: "لم نستمع إلى القصة كاملة"، فإن ما يعرفه هو في "حدود الثلاثين في المائة، وأن النقاش بين أستراليا والحكومة الإسرائيلية يمكن أن يضيف إليها ما يصل إلى نحو ستين بالمئة".

أما عن سبب انتحار السجين "X" قال ريد: "لكي يقدم شخص على الانتحار يجب أن يتوافر حبل أو شريط أو حزام أو ستارة أو غطاء أو ما شابه ذلك، فضلا عن كرسي أو أي شيء ليقف عليه المنتحر، وكذلك أداة معقوفة ليشد إليها الحبل، وعندما تركل الكرسي أو الشيء الذي يقف عليه المنتحر يمكن أن يعلق الشخص، غير أن أيا من هذه الأشياء لم تتوفر في الزنزانة وهو ما يثير أسئلة صعبة".

وقال أحد كتاب صحيفة هآرتس الخميس: "أن يتمكن زيغير المعزول والخاضع للرقابة على مدار الساعة من الانتحار، وهو لا يملك أياً من أدواته،  يزيد من احتمالات قيام أجهزة الأمن بالسماح للسجين بالانتحار، لتختفي وتندثر معه المعلومات السرية الشديدة الحساسية، وهنا ما يشير إلى إهمال مصلحة السجون في توفير حقوق واحتياجات السجين. أو أن أحدهم دفع به إلى الموت نفسيا، إن لم يكن جسديا".

انتقادات لحجب القضية

"وجه كتاب إسرائيليون انتقادات لاذعة للحكومة الإسرائيلية لحجب القضية عن الجمهور في دولة تعتبر نفسها ديمقراطية."

وقد وجهت انتقادات للحكومة الإسرائيلية لأنها أرادت حجب القضية، وطالب معلقون سياسيون بفتح تحقيق مستقل، بعد أن أشعلت القضية النقاش فيما يتعلق بالتوازن بين الأمن القومي وحرية تدفق المعلومات وحرية التعبير.

ويقول المحامي أفيغدور فيلدمان، محامي السجين X: "إن إسرائيل ديمقراطية في أساسها، لكنها لا توائم نفسها مع العصر الحديث. فعلى الرغم من تدفق المعلومات عن القضية عبر الإنترنت ووسائل الإعلام الغربية والتواصل الاجتماعي، حافظت إسرائيل بأمر من الرقابة العسكرية على تقييد حرية النشر لمدة أربع وعشرين ساعة، حتى اعترفت بجزء يسير من الحقيقة، بأنها تحتجز سجينا باسم مستعار لأسباب أمنية حفاظا على سلامته وسلامة عائلته، وحماية الدولة من أخطار تتهددها في حال كشف هويته"، وفقا لما قاله مصدر قضائي رفيع اضطلع بقضية زيغير من بدايتها

وقالت صحيفة هآرتس الخميس في افتتاحيتها إن إسرائيل ليست الأرجنتين أو روسيا أو الصين، وإن الأمن القومي يجب أن يصان، دون أسباب فضفاضة.

ففي العقود الأخيرة تم القبض على أشخاص عزلوا تحت أسماء مستعارة أو مجهولة، وفي بعض الحالات تم الإفصاح عن الهويات الحقيقية لأصحابها، غير أنه لم يتم الكشف عن أسماء آخرين في حالات عديدة. وجاء في مقال آخر أن العميل X أو بن زيغير، وإن لم يكن الأول في هذه الحالة، فإنه لن يكون الأخير.

ونشرت في هذا السياق تحليلات وتخمينات تشير إلى طريقة عمل جهاز الموساد، والاحتمالات التي يمكن أن تشكل خطرا على عمله، وأسلوب تنفيذ عملياته التي ما انفك يقوم بها في ظل تعتيم أمني وسياسي مطبق، ومن بينها استخدامه جوازات سفر أجنبية، بعضها مزور، ومنها أسترالية مثلا استخدمت في تصفية المبحوح.