سرقت الحرب في سوريا من عمر الأطفال سنوات، لم يجد خلالها قطاع كبير منهم الفرصة للالتحاق بالتعليم، بل إن بعضهم ممن ولد بعد الحرب وتأثر بها ربما لا يعرف ماذا تعني كلمة "مدرسة".

إلا أن ظروف الحرب الصعبة والتهجير والنزوح لم تقف ضد رغبة التعلم، التي اجتمع عليها معلم وزوجته المعلمة أيضا مع عشرات الطلاب، في إدلب شمال غربي سوريا، لكن أين المقر الذي سيجمعهم؟

وحسب رواية منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، لم يجد المعلم وزوجته بعد فرارهما من حماة إلى إدلب، سوى كهفا مهجورا موحشا، نظفاه وحولاه إلى مدرسة بدأت عملها قبل أشهر، وتستقطب حاليا نحو 120 طالبا.

ويقول المعلم: "بدأنا مع الأطفال القاطنين في الجوار، ثم توسعنا إلى أن أصبح لدينا الآن قرابة 120 طالبا وطالبة".

ويضيف: "يأتينا الكثير من الأطفال حتى اضطررنا إلى تقسيم اليوم إلى فترتين بحسب العمر. يضيق الكهف عن استيعاب جميع الأطفال لصغر مساحته، فوضعنا أوقاتا منفصلة بحيث يأتي الأطفال الأصغر سنا لتعلم الأبجدية، ثم يأتي الأطفال الأكبر الذين كانوا ملتحقين بالمدارس أصلا، لتعلم موضوعات أخرى في وقت لاحق".

ورغم تعرض المدارس في سوريا إلى أكثر من 4 آلاف هجمة منذ بدء الصراع عام 2011، تعكس قصة "المدرسة الكهف" صمود المعلمين والأطفال على حد سواء وتشبثهم بحقهم في المعرفة مهما كانت الظروف.

لكن الهجمات ليست فقط العدو الوحيد لهذا المشروع الطموح، حيث إن الطقس أحيانا ما يكون عائقا.

أطفال حلب يعانون بسبب القصف

ويوضح المعلم: "في الشتاء الماضي فاضت المياه وغمرت الكهف، وفكرنا في إيقاف المشروع برمته لكن الأطفال أصروا على أن نستمر. فانتقلنا إلى خيمة حتى جف الكهف. المدرسة بدائية للغاية لكنها تحمي الأطفال من القصف على الأقل".

ويتابع: "نواجه صعوبات كثيرة، ونحتاج أشياء كثيرة كالكتب المدرسية والدفاتر والملابس والحقائب المدرسية والمواد التعليمية الأخرى. الأطفال هم الخاسر الوحيد بسبب هذه الحرب، وإذا لم نفعل شيئا لهؤلاء الأطفال فسيخسرون تعليمهم أيضا".

"المدرسة الكهف" وإن كانت خطة مؤقتة بديلة بالنسبة للطلاب، فإنها أيضا مكان غير مريح بالنسبة لعدد منهم، ومن بيهم محمد صاحب الـ 9 سنوات.

ويقول محمد: "لم أستطع الذهاب إلى المدرسة بسبب القصف. كنا خائفين من الطائرات. أشتاق إلى أصحابي كثيرا وأتمنى العودة إلى مدرستي القديمة. على الأقل كان لدينا مقاعد نجلس عليها أما هنا فنحن نجلس على الأرض فتؤلمنا أقدامنا
وظهورنا".

لكن "كل هذا يهون" كما عبرت نادية التي تدرس بنفس الصف، حيث قالت: "أتعلم اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات، وألعب مع أصدقائي أحيانا. الإضاءة ليست كافية في هذه المدرسة لكننا لسنا خائفين هنا".

وحسب اليونيسف، فإن ثلث المدارس في سوريا حاليا غير مستخدم، أما المدارس العاملة فيفتقر الكثير منها إلى المدرسين ودورات المياه الملائمة، ويسقط العديد من أطفال تلك المدارس قتلى أو جرحى بسبب الهجمات التي تطالها.

وأطلقت المنظمة مؤخرا حملة "العودة إلى الدراسة"، بهدف الوصول إلى 2.5 مليون طفل بمن فيهم 200 ألف يعيشون في 59 منطقة محاصرة أو يصعب الوصول إليها، في حلب والحسكة وحماة وحمص وإدلب والرقة وريف دمشق.

وسوف تزود اليونيسف الأطفال بالمواد التعليمية والحقائب والأدوات المكتبية، وتشمل الحملة أيضا التعبئة الاجتماعية لتحفيز الآباء على إرسال أبنائهم إلى المدرسة أو الاستفادة من فرص التعليم البديلة، في المناطق التي تعطلت بها المدارس.

مستشفيات ومدارس تحت القصف بريف حلب