تعيش ليبيا وضعا ثنائيا على المستوى الأمني يشكل خطرا كبيرا على السلم الأهلي والاستقرار السياسي في هذا البلد الذي يعاني من الإرهاب والاقتتال.

فقد هيأت النزاعات السياسية والانفلات الأمني وهشاشة الدولة في ليبيا، على مدار السنوات الخمس الماضية، الأجواء أمام العديد من المجموعات المسلحة لتقوية شوكتها وزيادة عددها وعتادها في هذا البلد الغارق في الفوضى.

وبينما يعمل الجيش الوطني الليبي على مكافحة الإرهاب والتطرف والأنشطة العسكرية غير الشرعية من أجل استتاب الأمن تحت مظلة السلطة الشرعية في البلاد، مازالت أطراف سياسية تستقوي بالميليشيات المسلحة من أجل فرض نفوذها على العملية السياسية، وهو ما يطيل أمد الصراع في البلاد.

ويمتلك الجيش الوطني مناطق نفوذ شرقي البلاد، باتجاه مدن موالية مثل طبرق والبيضاء والمرج على الحدود المصرية، قبل أن يستعيد السيطرة على غالبية بنغازي.

وانبثقت حكومة وفاق وطني عن اتفاق الصخيرات الذي تحدد المادة الثامنة منه تبعية المؤسسات العسكرية والأمنية لمجلس رئاسة الوزراء، وهو ما أثار إشكالية كبيرة وخلق عقدة أمام تمرير الحكومة الجديدة.

فالمجلس الرئاسي الحكومي الذي يرأسه فايز السراج انتقل إلى العاصمة الليبية طرابلس، ليبقى تحت رحمة الميليشيات الخارجة على القانون، وهو ما يؤثر بالقطع على أدائه وقراراته، بحسب محللين.

ويرفض البرلمان، وهو الجهة الوحيدة المنتخبة والشرعية في ليبيا، أن يتبع الجيش وقيادته لحكومة لم تحصل بعد على ثقة البرلمان، كما أن تبعية الجيش لجهاز تنفيذي مبني على توافقات سياسية سيعرقل عمله كمؤسسة مهنية هدفها استعادة الأمن في البلاد.

ويطالب رئيس البرلمان عقيلة صالح بتعديل الإعلان الدستوري أولا من أجل الحفاظ على استقلالية مؤسسات الجيش والأمن بأن تتبع مجلس النواب المنتخب، ثم التصويت بعد ذلك على منح الثقة لحكومة السراج.

صالح: إلغاء المادة 8 قبل منح الثقة

خط أحمر

ويقول المحلل السياسي الليبي أحمد العبود لسكاي نيوز عربية، إن "المادة الثامنة صيغت بناء على صفقة بين المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون وتيارات الإسلام السياسي وقادة الميليشيات"، مؤكدة أن هذه المادة "ملغومة" وتهدد العملية السياسية.

وأوضح أن "صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة هي صفة أصيلة لرئيس مجلس النواب المنتخب، ولا تخضع لرئاسة المجلس الرئاسي ولا لفايز السراج".

ويعتبر كثيرون من نواب البرلمان أن "الجيش الليبي الذي يحارب الإرهاب هو خط أحمر وهو أحد الشروط الأساسية لتمرير الاتفاق السياسي".

وفي المقابل، تركز الميليشيات المسلحة والتي تسيطر على غرب البلاد بما فيها طرابلس، على دعم أطراف سياسية وخاصة تيار الإسلام السياسي، مما يؤسس لدولة ميليشيات وليس دولة مؤسسات.

ليبيا تعاني الفوضى منذ 5 سنوات

الميليشيات.. صراع النفوذ والتطرف

وتتصارع الميليشيات التي ينتهج بعضها فكر تنظيم القاعدة وداعش على الموارد النفطية ومناطق النفوذ، وأبرزها ميليشيات "فجر ليبيا"، المصنفة كجماعة إرهابية، وهي تحالف يضم في أساسه مجموعات من مدينة مصراتة (200 كيلومترا شرقي طرابلس).

وفي بنغازي هناك مجلس شورى ثوار بنغازي، وهو تحالف لجماعات متشددة يقاتل الجيش الوطني الليبي، ويضم جماعة درع ليبيا و"سرايا شهداء 17 فبراير" وكتيبة راف الله السحاتي وجماعة "أنصار الشريعة"، المعروفة بقربها من تنظيم القاعدة.

وتصنف "أنصار الشريعة" جماعة إرهابية لدى الأمم المتحدة، ولها فروع في درنة (شرق) وصبراتة (غرب)، إلى جانب فرع بنغازي.

ومع التشرذم الذي أصاب ليبيا، وجد تنظيم داعش موطأ قدم له بشكل تدريجي، حتى بات يسيطر حاليا على مدينة سرت الساحلية (450 كلم شرق طرابلس) مسقط رأس القذافي، ويسعى للتمدد نحو المناطق المحيطة بالمدينة.

كما يحظى بوجود في بنغازي وفي درنة (شرق)، المعقل التاريخي للمتشددين في ليبيا، إلى جانب جماعات أخرى.