اتسعت رقعة الاحتجاجات في تونس لتمتد إلى ولاية سيدي بوزيد، بعد أن اندلعت شرارتها في القصرين عقب إقدام شاب على الانتحار، على خلفية عدم توظيفه رغم تعهدات السلطات المحلية.

وأعلنت وزارة الداخلية التونسية مقتل شرطي، الأربعاء، في فريانة بولاية القصرين، حين انقلبت سيارة لقوات الأمن أثناء ملاحقتها لمحتجين، وقال المتحدث باسم الوزارة وليد الوقيني لوكالة "تونس إفريقيا" للأنباء، إن "أعمال العنف والتخريب في عدد من الجهات تخدم الإرهابيين وتمكنهم من التسلل إلى صفوف المحتجين".

ولم تتمكن الحكومة من كبح جماح الاحتجاجات رغم القرارات التي أعلنت عنها، الأربعاء، ومن ضمنها توظيف 5 آلاف شخص والتسريع بوضع آلية لمكافحة الفساد.

تونس.. اتساع نطاق التظاهرات

شهر الاحتجاجات

وتاريخيا، شهدت تونس في بدايات سنوات ماضية أحداثا ساخنة تسارعت فيها وتيرة التحركات الاجتماعية، ففي يناير 1978 اصطدم نظام الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بالاتحاد العام للشغل، بعد إقرار إضراب عام في البلاد.

وانتهى الصدام بسقوط المئات بين قتيل وجريح (52 قتيلا و365 جريحا حسب الحكومة التونسية آنذاك و400 قتيل وأكثر من ألف جريح حسب مصادر مقربة من الاتحاد)، وسجن عدد من قياديي الاتحاد، وفي مقدمتهم أمينه العام الحبيب عاشور.

أما في يناير 1984 فقد خرج بورقيبة مهزوزا، بعد تراجعه عن رفع الدعم على المواد الأساسية بعد احتجاجات عمت البلاد، راح ضحيتها نحو 140 تونسيا بينما اعتقل مئات آخرون.

ولم تحد البلاد عن القاعدة إبان حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ففي يناير 2008 انطلقت موجة احتجاجات بمنطقة الحوض المنجمي الغنية بالفوسفات جنوب غربي البلاد دامت عدة أشهر، وسط قمع شديد وحملة إدانة دولية، كما انتهى حكم بن علي في يناير 2011 في أعقاب احتجاجات شعبية كبيرة.

وتقول مديرة مكتب "إنترناشيونال ألرت" بتونس ألفة لملوم، إن "هناك ذاكرة جماعية قد تشكلت فيما يتعلق بيناير. فهو لا يعني الاحتجاجات فحسب بل أيضا الانتصارات" على السلطة القائمة، في كثير من الأحيان.

وتوضح لملوم في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "أحداث 1978 انتهت بشكل درامي لكنها أثبتت أن اتحاد الشغل كان يسعى لإثبات استقلاليته عن النظام الحاكم".

حظر تجول في مناطق بتونس

المأزق الاجتماعي

وكانت تونس قد احتفلت للتو بالذكرى الخامسة لثورتها في ظل أزمة خانقة متعددة الأبعاد، فسياسيا يشهد حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحاكم انقسامات حادة، بينما تبقى البلاد تحت حالة الطوارئ التي أقرها الرئيس الباجي قائد السبسي، في أعقاب هجوم على حافلة للأمن الرئاسي في نوفمبر الماضي وسط تونس العاصمة، راح ضحيته 12 رجل أمن.

وعجلت التهديدات الأمنية بتدهور القطاع السياحي الذي يعتبر من أهم القطاعات الاقتصادية في تونس، وقالت الجامعة التونسية للوحدات للنزل إن 70 فندقا على الأقل أغلقوا أبوابهم نهاية العام الماضي.

وتشير الأرقام إلى تجاوز نسبة البطالة في تونس 15%، بينما تواجه البلاد سياقا إقليميا مضطربا، فعدم الاستقرار في ليبيا دفع بعشرات آلاف العاملين التونسيين هناك من الفرار، كما قد يساهم تراجع العائدات النفطية إلى تقلص مساهمة الجزائر في الاقتصاد التونسي.

وحتى الاتحاد الأوروبي، الشريك الأول لتونس بأكثر من 80% من المبادلات التجارية، يبقى عاجزا عن تقديم المساعات الكافية أمام حالة الانكماش الاقتصادي التي يشهدها.

الحكومة سبب أزمة البطالة بتونس

أزمة ثقة

وتحذر لملوم من خطورة تنامي الغضب الشعبي من أداء النخبة السياسية التي أمسكت بزمام الأمور بعد رحيل بن علي، موضحة أن "التونسيين شهدوا 6 حكومات وعمليتين انتخابيتين دون أن يلمسوا أي تغيير يذكر في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية".

وتضيف أن مؤسسات الدولة "عجزت عن تشخيص أسباب المشاكل التي تواجهها البلاد، مقابل ترك هذه المهمة للمجتمع المدني، سواء المحلي أو الدولي"، وتذكر أن "الديمقراطية الاجتماعية التي تضم الحق في العمل والصحة والسكن هي شرط أساسي للديمقراطية السياسية وهي شعار رفعه التونسيون ولا يزالون لعقود".

وتلاحظ لملوم أن الحكومات المتعاقبة على الحكم منذ 2011 "لم تحمل معها أي استراتيجية واضحة لتقديم حلول دائمة لأزمات البلاد العميقة، خاصة في ما يتعلق بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي".

وقوبلت احتجاجات القصرين بحذر شديد من معظم القوى السياسية والنقابية، وإن لا تبدو معالم التحركات واتجاهاتها واضحة فإن المؤكد أن عوامل سخونة يناير في تونس اجتماعيا لا تزال قائمة.