وساطات خليجية وسلسلة من اللقاءات بين مبعوثين خليجيين ومصريين، وكذلك بين مسؤولين مصريين وقطريين، سبقت أول بوادر انفراج الأزمة بين مصر وقطر بإعلان الأخيرة إغلاق قناة "الجزيرة مباشر مصر" كتأكيد على جديتها في السير على طريق المصالحة.

غير أن المتابع لملف العلاقات المصرية القطرية، يدرك أن طريق المصالحة جد طويل، وأن تشابك العلاقات وتضارب المصالح بين القاهرة والدوحة، قد يحول دون طي صفحة الخلافات أو على الأقل يؤجلها، ويبقى باب الصراع السياسي مواربا.

وقبل المضي في طريق استكشاف نقاط الخلاف، لابد من إطلالة سريعة على كواليس ما قبل زيارة الموفدين السعودي والقطري إلى القاهرة ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

قبل أن تلتقط عدسات الكاميرات ترحيب الرئيس السيسي بضيفيه بثمانية وأربعين ساعة، كان مبعوث رئاسي مصري وبعيدا عن أعين الإعلام يلتقي مسؤولين سعوديين قطريين في السعودية للترتيب للزيارة.

وفي جدول أعمال تلك اللقاءات مطالب عاجلة طلبتها مصر وتتلخص في ثلاثة محاور، أولها ما تسميه مصر افتراءات وأكاذيب الذراع الإعلامية لقطر ضد الدولة المصرية، وثانيها وقف تمويل "الأنشطة الإرهابية" لجماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معها، وثالثها تسليم القيادات الموجودة في قطر والمطلوبة على ذمة قضايا تنظرها المحاكم المصرية.

المحاور الثلاثة التي مثلت المطالب العاجلة كخطوة لإثبات حسن النية مطالب قديمة سبق وأن عرضها رئيس جهاز المخابرات المصرية المحال لتوه للتقاعد محمد فريد التهامي على رئيس المخابرات القطرية في منتصف يوليو 2013، باستثناء "تسليم القيادات حيث لم تكن القائمة قد طالت على هذا النحو".

فحين اتصل رئيس المخابرات القطري لتهنئة التهامي بتوليه رئاسة المخابرات المصرية والتأكيد على دعم قطر لمصر، لم يحصل التهامي آنذاك على رد مقنع من نظيره القطري، بل تلقى دعوة لزيارة الدوحة على أن يتم بحث المطالب المصرية لاحقا.

دعوة اعتذر التهامي عن تلبيتها حتى لا تبدو القاهرة كمن يستجدي دعما قطريا، وأكد على أنه حين تبدأ قطر بالخطوة الأولى سيكون الترحيب المصري جاهزا.

نعود للقاءات المبعوث الرئاسي المصري في السعودية، إذ بعد أن عرض مطالب مصر العاجلة، استمع لوجهة النظر القطرية والمتمثلة هي الأخرى في وقف ما سماه الجانب القطري حملة التحريض والإساءة التي تقودها وسائل إعلام مصرية ضد قطر.

لم يكن صعبا على الجانب المصري قبول المطلب القطري، خاصة وأن الرئيس السيسي سبق وأن وجه أكثر من مرة بوقف الإساءة للأشخاص، بل واعتذر للشيخ تميم في نيويورك عن إساءة البعض لوالدته الشيخة موزة.

كما طالب الجانب القطري بتسوية ملف قضية "خلية الماريوت" المتهم فيها صحفيون من شبكة الجزيرة وفقا للقانون المصري، وهو ما وعد البعوث الرئاسي بالنظر فيه.

انتهت لقاءات السعودية ولم يتبق سوى توجه المبعوث القطري إلى القاهرة غير أن الملك عبد الله الحريص على إنجاح جهود المصالحة أوفد مبعوثه الشخصي لحضور اللقاء.

الجانب المصري وفي بيان رئاسي أعلن تأييده لجهود العاهل السعودي وثمنها، في لحظة تحتاج فيها الأمة العربية لتضافر الجهود، ودعا وسائل الإعلام للعمل على دفع عجلة المصالحة إلى الأمام.

وبالفعل بدأت دعوة التهدئة تؤتي ثمارها على الجانبين، لكن كما قلنا طريق المصالحة طويل، والقاهرة التي استجابت لمبادرة العاهل السعودي بعد ساعات من إطلاقها "تحرّص ولا تخوّن" كما يقول المثل الشعبي ومن زاوية الحرص تأتي حزمة المطالب الأخرى، التي لم تتم دراستها بتعمق في لقاءات القاهرة والرياض، وفي مقدمتها الموقف في ليبيا، وأهمية وقف ما تعتبره القاهرة دعما قطريا غير محدود لقوات وميليشيات متشددة في ليبيا تهدد استقرار ليبيا أولا وأمن مصر القومي ثانيا.

وفي حزمة المطالب أيضا العلاقات القطرية التركية فالقاهرة، ترفض تصرفات أنقرة وترفض ما وصفته غير مرة بمهاترات الرئيس التركي وإساءاته المتكررة لمصر ورئيسها، فضلا عن أن القاهرة ترى في العلاقة بين قطر وتركيا محاولة للالتفاف على الالتزام ببنود استحقاقات المصالحة خاصة في ظل الدعم المتزايد من تركيا ورئيسها لقيادات جماعة الإخوان المسلمين وتمكينهم من ممارسة أنشطة تراها القاهرة عدائية ضدها انطلاقا من الأراضي التركية.

أما آخر ملفات الخلاف فهو الموقف في سوريا، وما تراه القاهرة دورا قطريا تركيا يسهم في تعقيد الأزمة لا العمل على حلها وفقا لتوافقات دولية وأممية تنطلق من مؤتمرات جنيف وعلى أساس الحل السياسي، وهذا الملف وإن كانت التباينات فيه تتخطى الدور القطري لتصور خليجي لحل الأزمة السورية إلا أن التقارب المصري السعودي الإماراتي في هذا الملف يجعل الدوحة في خندق مغاير إلى حد ما لتلك التوجهات.

لكن ورغم ذلك فهناك رغبة رئاسية في مصر لطي صفحة الخلاف مع قطر، تقابلها رغبة شعبية أكثر حذرا وتشددا في مواجهة قطر، فكثير من رجال الأحزاب في مصر شددوا على أهمية تمتين المصالحة بتعهدات قطرية واضحة، مع ربط عدم التزامها بسلسلة عقوبات خليجية ومصرية، فضلا عن محاسبة سياسية لما تكبده المصريون جراء الدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها.