من جديد يسلط التقرير الأخير لبعثة الأمم المتحدة، المختصة بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في سوريا، الضوء على هذا الملف الحساس، حيث تجنبت دمشق، عبر تسليمها ترسانتها الكيماوية، هجوما غربيا عسكريا محتملا بقيادة الولايات المتحدة، قبل عام تقريبا.

وتعود قصة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا للمرة الأولى إلى 19 مارس 2013، حين بث ناشطون سوريون صورا تظهر مدنيين بالعشرات يعانون حالات اختناق شديد، ولا تظهر عليهم آثار جروح، بالإضافة إلى عدد من القتلى، في حي خان العسل، قرب محافظة حلب، شمال غربي سوريا.

وتكررت الحادثة ذاتها في مدينة سراقب في محافظة إدلب شمال البلاد في أبريل 2013، حيث قال ناشطون حينها إن القوات الحكومية ألقت قنابل سامة على المدينة، إلا أن دمشق نفت في حينها استخدام مثل هذه الأسلحة، وألقت باللائمة على المعارضة المسلحة في هذا الشأن.

التلويح بهجمة عسكرية

"الغضب الدولي من استخدام الأسلحة الكيماوية دفع الأسد للموافقة على التخلي عنها."

لكن التحول الأبرز في ملف الأسلحة الكيماوية السورية كان في 21 أغسطس 2013، حين تجدد الهجوم للمرة الثالثة بهذه الأسلحة على مناطق في الغوطة قرب العاصمة دمشق، وراح ضحيته المئات، وفق ما قالت المعارضة السورية.

وجاء هذا الهجوم بعد 3 أيام فقط من وصول بعثة محققين دوليين إلى دمشق للتحقيق في حادثتي خان العسل وسراقب، وعلى مسافة 5 كيلومتر فقط من الفندق الذي نزل فيه المراقبون.

مجددا، تبادلت الحكومة السورية والمعارضة المسلحة الاتهامات بالمسؤولية عن هذه الحادثة، وطالبت قوى عربية وغربية للمرة الأولى بعدم الاكتفاء بتحقيق دولي في الحادثة، بل ببحثها في مجلس الأمن الدولي.

ودفع الغضب الدولي من استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا هذه المرة، الرئيس السوري بشار الأسد، إلى الموافقة على التخلي عن ترسانة بلاده من الأسلحة السامة، والتي تقدر بنحو 1300 طن مكعب، بوساطة قادتها حليفته موسكو، الأمر الذي جنب سوريا هجمة عسكرية أميركية محتملة.

جداول زمنية

"دمشق فوتت عدة مواعيد زمنية لنقل الكيماوي الذي من المقرر أن يسلم نهاية يونيو المقبل."

بعدها اتفقت دمشق مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على جدول زمني يتم بموجبه نقل ترسانة الكيماوي السوري على فترات خارج البلاد تمهيدا لتدميرها، إلا أن سوريا لم تفِ بالمواعيد المقرر للتسليم.

فقد فوتت الحكومة السورية الموعد النهائي لتسليم المواد الأكثر خطورة في 31 ديسمبر 2013، وموعدا ثانيا في 5 فبراير لتسليم دفعة ثانية تضم كل مخزونها من السلاح الكيماوي. لكن لم تغادر الأراضي السورية سوى شحنتين من العناصر الكيماوية في 7 و27 يناير عبر ميناء اللاذقية، في حين تأخر تسليم شحنة جديدة في الأول من مارس الجاري.

وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الثلاثاء الماضي، إن سوريا نقلت نحو ثلث مخزونها من الأسلحة الكيماوية، ومنها غاز الخردل إلى الخارج لتدميرها، حيث تشارك في ذلك سفن دنماركية ونرويجية تتولى نقل المواد إلى سفينة أمريكية، في ميناء جويا تورو الإيطالي، مجهزة بماكينتين لإبطال مفعول المواد السامة.

وكان من اللافت أخيرا، أن سرعت سوريا من جهودها لتسليم أسلحتها الكيماوية عقب تفويتها عدة مواعيد نهائية، في محاولة للإيفاء بالموعد النهائي للتسليم والنقل في 30 يونيو المقبل.

وقالت رئيسة البعثة المكلفة بتدمير أسلحة سوريا الكيماوية الأربعاء سيغريد كاغ، إن السلطات السورية سلمت المنظمة الدولية جدول مواعيد جديد، تكمل بموجبه الإزالة والتدمير للأسلحة الكيماوية بين منتصف ونهاية أبريل المقبل.