في خطوة قد تنذر بتأجيج الوضع في مصر، تحدى الرئيس محمد مرسي معارضي الإعلان الدستوري الذي منح بموجبه لنفسه سلطات غير مسبوقة، بعدما أعلنت لجنة صياغة الدستور انتهاءها من وضع مسودته النهائية، وطرحها للتصويت الخميس.

وجاء هذا الإعلان ليستبق الحكم القضائي المتوقع بعدم دستوريتها الأحد المقبل، واعتبرته قوى المعارضة، التي خرجت بمئات الآلاف للاعتراض على إعلان مرسي الدستوري الذي حصن بموجبه قراراته والجمعية التأسيسية للدستور معا، "تحديا سافرا" لإرادة قطاع عريض من الشعب، بل و"دفعا في اتجاه حرب أهلية" بين عناصر الأمة.

وكان معارضو الإعلان الدستوري احتشدوا الثلاثاء في ميدان التحرير، ورددوا هتافات "ارحل" و "الشعب يريد إسقاط النظام" في مشهد يذكر بيوم 25 يناير 2011 عندما اندلعت الثورة التي أطاحت الرئيس حسني مبارك، وسمحت لاحقا بتنظيم انتخابات ديمقراطية جاءت بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب بنسبة تزيد قليلا عن 51 في المائة.

لكن الرئاسة المصرية قابلت "دعوات الرحيل" بإعلان المسؤول عن ديوان رئيس الجمهورية محمد رفاعة الطهطاوي بأن "الرئيس لن يتراجع قيد أنملة" عن إعلانه الدستوري.

وتبع ذلك إعلان اللجنة التأسيسية مساء الأربعاء انتهاءها من وضع المسودة النهائية للدستور، وطرحها الخميس للتصويت، ثم عرضها على الرئيس ليعلن موعد الاستفتاء عليها، وهو ما يجب أن يتم في غضون 15 يوما.

وفضلا عن المعارضة في الشارع، تأتي هذه الخطوة بينما انسحب نحو 14 عضوا، وممثلو الكنيسة القبطية، من اللجنة التي يهيمن عليها التيار الإسلامي، خاصة حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان المسلمين الذي كان ينتمي إليه مرسي، والأحزاب السلفية.

كما أن هذه الخطوة تسحب البساط من تحت أقدام القضاء الذي حدد جلسة يوم الأحد للنطق بالحكم في دعوى ببطلان اللجنة التأسيسية "لعدم تمثيلها أطياف المجتمع".

الرئيس المصري محمد مرسي

جدير بالذكر أن اللجنة المكونة من 100 شخص يتألف معظمها من أعضاء من مجلس الشعب المنحل، ومن النقابات المهنية التي يسيطر عليها الإسلاميون، وقلة من الرموز السياسية الليبرالية، ولم تعتمد على خبراء في الفقه الدستوري، ويأخذ عليها كثيرون ضمها عضوا "لم يكمل تعليمه الثانوي".

وبينما استمرت اشتباكات في أنحاء متفرقة من البلاد أدت إلى سقوط قتلى ومئات الجرحى بين أنصار ومعارضي الإعلان الدستوري، أعلن التيار الإسلامي الأربعاء عن تنظيم مظاهرة حاشدة لتأييد الرئيس السبت في ميدان التحرير، حيث تعتصم المعارضة منذ عدة أيام، ما زاد المخاوف من تفجر موجة من المواجهات العنيفة.

وقابل التيار الإسلامي دعوات المعارضة والمستقلين بنقل تظاهرتهم إلى مكان آخر "حقنا للدماء" بالإعلان أن ميدان التحرير "ليس حكرا على أحد".

ويقول مدير المركز العربي لاستقلال القضاء ناصر أمين لسكاي نيوز عربية إن هذه الدعوة للتظاهر "سيناريو محكم يتم بناء عليه دعوة الإسلاميين للحشد يوم السبت في مواجهة معارضيهم فيظهر أن الموقف جد خطير وينذر بحرب أهلية فيصاب الناس بالرعب".

ويضيف: "عندها يخرج الرئيس ليقال إنه بحكمته وبراعته هدأ الأجواء، فيعلن إلغاء الإعلان الدستوري، ويعلن حل الجمعية التأسيسية، ويدعو المواطنين للاستفتاء على الدستور، وعندئذ سيبدو وكأنه ينزع فتيل الأزمة، فيهدأ الموجودون في التحرير على أساس أنه حقق مطالبهم".

"لكن هذه في الواقع مؤامرة وتحايل على الشعب، لأنه يقول للناس إما أن تقبلوا بالدستور وإما أن تقبلوا بالخوف من حرب أهلية"، حسب أمين.

ويرى المحامي أن مرسي يكرر ما فعله سلفه مبارك عندما استخدم فزاعة الإخوان المسلمين، وقال للشعب "أنا أو الفوضى".

ويتابع أن "مشهد المعارضة في التحرير دفع الرئاسة إلى التعجيل بالانتهاء من الدستور".

وأضاف "الإخوان المسلمون الذين يسعون للحكم منذ تأسيس جماعتهم عام  1928 يدركون جيدا أن هذه فرصتهم الوحيدة، فإما البقاء أو الفناء".

"فالوضع في مصر سيئ للغاية خاصة من الناحية الاقتصادية، وهم الآن في الحكم ومطالبون بتنفيذ عهود الرخاء والتنمية السريعة التي قطعوها على أنفسهم وتوفير الخبز للمواطنين وهو ما يصعب تحقيقه"، حسب أمين.

ويقول "لذا فإن وجودهم في السلطة دون الاستحواذ على كل مقاليدها يشعرهم بالخطر من المساءلة وضغط الشارع فكان لابد لهم، من وجهة نظرهم، وضع دستور يكفل لهم البقاء في الحكم إلى أجل غير مسمى، وهو ما يسمح به الدستور الذي وضعوه".

وفي المقابل يرد أمين الشباب في حزب الحرية والعدالة بمحافظة الجيزة علي خفاجي قائلا "الدستور سيطرح على الشعب للاستفتاء عليه بطريقة ديمقراطية، وسيقول الشعب كلمته ويقبله بإذن الله".

واتهم المعارضة بمحاولة "تقويض رأي الشعب وإظهار نفسها على أنها الأغلبية بينما هي ليست كذلك في الحقيقة"، وأضاف "فليطرح الدستور على الشعب ودعوا الناس يقولون كلمتهم".

وتخشى المعارضة تكرار ما حدث عند الاستفتاء على الإعلان الدستوري المكمل في مارس 2011 الذي اختار فيه نحو 70 في المائة من المقترعين أن تتم الانتخابات التشريعية والرئاسية أولا قبل صياغة الدستور.

وكانت قوى إسلامية استخدمت وقتها الخطاب الديني في المساجد والمنابر ووسائل الإعلام للترويج صراحة بأن من يختار صياغة الدستور أولا يعد "كافرا".

وبدأت قبل أسابيع حملات في القاهرة والأقاليم يقوم بها رموز حزب الحرية والعدالة والجماعات الإسلامية الأخرى ترويجا للدستور الجديد.

كما لوحظ ببعض شوارع القاهرة وجود أفراد يتحدثون مع العامة في الشارع لإقناعهم بضرورة الموافقة على الدستور.

ويقول عضو مجلس نقابة الصحفيين جمال فهمي إن الاستفتاء على الدستور سيكون "غير دستوري في ظل غياب إشراف القضاة الذين أعلنوا الإضراب منذ الإعلان الدستوري، وقالوا إنهم لن يشرفوا على الاستفتاء".

وأضاف أن "الرئيس وجماعته يعتمدون على تأييد واشنطن لهم، وعلى تحييدهم الجيش تحاشيا لانقلاب عسكري بقبولهم يوم الأربعاء بالتعديلات التي أراد الجيش إدخالها على مسودة الدستور، والتي تضمن للعسكريين مكانتهم".

وفي نفس الوقت أكد المستشار جمال رمضان، رئيس محكمة استئناف القاهرة، أنه "في ظل الظروف الحالية لا أتوقع أن يشارك القضاة في عملية الاستفتاء على الدستور الجديد إلا إذا ألغى الرئيس قراراته الأخيرة الواردة في الإعلان الدستوري، ووقتها (من الممكن) أن يشرف القضاء على الاستفتاء".

وتابع: "الاستفتاء سيكون قانونيًا، لعدم صدور حكم ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية، وحتى إذا صدر الحكم بالبطلان بعد انتهاء الاستفتاء على الدستور الجديد، فهناك مبدأ قانوني يؤكد على استقرار المراكز القانونية، وبالتالي يصبح الحكم بلا قيمة قانونية".