الأمر سواء إذا كانوا هاجروا أو جرى تهجيرهم قسرا.. فنازحو مدينة تاورغاء، حالهم يُغني عن سؤالهم، وقضيتهم تبدو حساسة لدى العديد من الناس في ليبيا، لارتباطها بما يقولون إنها فواتير يدفعها أهالي المدينة لمشاركتهم في حرب العقيد الراحل معمر القذافي ضد الثوار.

ذهبت "سكاي نيوز عربية" إلى البلدة التي تبعد عن طرابلس نحو 3 ساعات من خارجها، بعد تحذيرات أكدت أن الاقتراب منها قد يكون بلا عودة لسيطرة ميليشيات مسلحة عليها بعدما طردوا كل من فيها.

يحكي المشهد عن أطلال مدينة خاوية إلا من منازل مهجورة ومدمرة، في حين تملأ مخلفات الحرب أرض المكان.

أما أهالي المدينة فقد نزح نحو 35 ألف منهم إلى 5 معسكرات في طرابلس وحدها، بيد أن آلاف غيرهم تفرقوا بين بنغازي ومدن شرقية عدة، ومنهم من لم يجد ملاذ حتى الآن.

تبدو أوضاع النازحين المعيشية داخل أحد المعسكرات، ويسمى "الفلّاح"، قاسية وصعبة، فهم يعيشون في عزلة تامة، ويُحظر على رجالهم الخروج حتى لا يلاقوا مصير الغياب القسري أو التعذيب حتى الموت كما يقولون.

أما أصابع الاتهام فهي تشير إلى ثوار مدينة مصراتة المجاورة لبلدتهم، وذلك انتقاما من جرائم يقول المصراتيون إنها ارتبطت بالأعراض وتستحق العقاب بلا رحمة أو تسامح.

هؤلاء يتهمون أبناء تاورغاء باغتصاب الفتيات والنساء وقتل رجالهم غدرا.

وتؤيد الرأي الداعم للانتقام فئات تضررت من الحرب، لكن رجال تاورغاء الذين يعيشون في خوف دائم من المجهول يطالبون بالكف عما وصفوه بالانتقام ، وتقديم كل من ارتكب جرم من أبناء تاورغاء إلى محاكمات عادلة.

"الانتقام ليس حلا"

"بيننا وبينهم القانون إن اغتصبنا أو قتلنا".. هكذا بدأ مشرف مخيم الفلاح عمر محمد علي حديثه إلى "سكاي نيوز عربية"، مشددا على أن الانتقام لن يؤدي إلى انهاء المشاكل بين أبناء البلد الواحد.

وأوضح محمد أن كل شكواهم للمسؤولين بشأن غياب الأمن، وتكرار حوادث الخطف والقتل لرجال تاورغاء لم تجد استجابة ولا اهتمام، مردفا: "كل رجل يخرج من المخيم قد لا تكتب له العودة سالما".

أما الجدة مبروكة، فقالت ودموعها المنهمرة تسيل على خديها إنها رغم فقدان أولادها إلا أنها لا تأمل إلا نسيان ما مضى والسماح لها بالعودة لديارها، والعيش مع من تبقى من أهلها.

يبدو البكاء وسيلة التعبير الوحيدة للنساء والأطفال عن بؤس حياتهم، فخديجة التي تبلغ من العمر 10 أعوام هي الأخرى سردت قصتها دون أن تجف دموعها، وقالت: "ثوار مصراتة  وسوق الجمعة خطفوا خالي وعذبوه حتى الموت"، مشيرة إلى أن شقيق والدتها هو معيلها الوحيد.

وناشدت من وصفتهم بـ"المنتقمين" بتصفية حساباتهم مع "من ارتكبوا الفظائع بحقهم وليس كل رجال المدينة فالحق لا يسترد بالظلم" على حد قولها.

يشكو النازحون من أبناء قبيلة تاورغاء الذين يعيشون داخل المخيمات غياب الأمن، ولا يحلمون إلا بالعودة إلى ديارهم وبدء صفحة جديدة في ليبيا، تسودها المصالحة الوطنية ولا مكان فيها لتصفية الحسابات، وهي آمال يرجحها البعض ممن يؤمنون بملف المصالحة الوطنية في ليبيا رافعين شعار يقول باللهجة الليبية المحلية "الليبيون كلهم خوت (إخوة)".