"الطرف الثالث" و"الطابور الخامس" و "القلة المندسة" ألقيت عليهم مسؤولية أغلبية أحداث دول الربيع العربي التي بقيت دون محاسبة. فمن مصر، إلى تونس، مرورا بليبيا ووصولا إلى السودان، علقت على عاتقهم جرائم تخريب وقتل وتحرش وفتنة طائفية وحرق منشآت عامة وخاصة، قيدت كلها ضد مجهول حتى بات الأمر مدعاة للسخرية من الفوضى السائدة في البلاد.
قليلون ممن يستخدمون مصطلح "الطابور الخامس" يعرفون أنه ظهر أثناء الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) عندما كانت قوات الديكتاتور الإسباني الجنرال فرانسيسكو فرانكو، المكونة من 4 طوابير، تزحف على مدريد. وقتها أعلن الجنرال اميليو مولا، أن طابورا خامسا من الشعب يقاتل في الخفاء في العاصمة ضد الجمهوريين لصالح فرانكو.
أثار هذا الإعلان، المبني على الحرب النفسية، شكوك وريبة في صفوف الجمهوريين قوضت قدرتهم على الدفاع.
وعلى الرغم من أن هذا الهجوم باء بالفشل، قبل أن ينجح غيره، إلا أن المصطلح ظل يرمز إلى أي مجموعة تعمل في الظل لإفشال دولة أو منظمة من الداخل.
استخدمت الكلمة في ليبيا أثناء الثورة وأطلقها العقيد معمر القذافي وأنصاره على الثوار، وبعد سقوطه أطلقها المجلس الانتقالي الذي حل محله على من اتهموا بأنهم "طابور خامس من أزلام القذافي يسعون لإثارة الفوضى وزعزعة الأمن".
في مصر، استغلت جماعة الإخوان المسلمين بغض المصريين للأمن في الفترة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011 لتشير إلى الداخلية مداعبة مشاعر الثوار. ثم، عندما استحوذت على الحكم بعد نجاح مرشحها الرئاسي محمد مرسي في الانتخابات، أصبحت تشير بها إلى كل من يعارضها.
ثم دارت الدوائر بعد ثورة 30 يونيو الماضي وقيام الجيش بعزل مرسي، لتتهم الجماعة نفسها بأنها "الطابور الخامس" أو "الطرف الثالت" الذي "يعمل على هدم مصر". بل انسحب هذا الاتهام على كل من يدافع عن حق الجماعة وأنصارها في الوجود وعدم إقصاء هذه الشريحة من الحياة العامة، وطال أيضا من يجرؤ على انتقاد موجة تأليه وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.
يقول الصحفي جمال فهمي لسكاي نيوز عربية "مصطلحات الطابور الخامس والطرف الثالث واللهو الخفي كلها إشارات شعبوية تدل على اختلاط الأوراق، فالواقع فيه اختلاط مريع بين الحق والباطل وهناك فوضى جمة يعبر عنها الناس بطريقتهم".
"إنها تعبير عن عدم فهم الناس لأن الفوضى هي طبيعة مثل هذه الفترات، فالثورات شيء استثنائي يصعب تصنيفه ووضعه في أطر واضحة"، حسب فهمي.
يضيف الصحفي "يوحي هذا المصطلح بالسخرية، لكن إذا نظرنا إليه بجدية، نجده يشير إلى حقيقة مرة، خلاصتها إن الأوراق كلها مختلطة والأغلبية لا يمكنها التمييز بين الحق والباطل".
والموضوع، في رأيه، لا يخص العامة بل ينسحب أيضا على الحكومات والقادة.
"من جانب الشعب هو تعبير عن عجز عن رؤية الحقيقة بسبب حالة الفوضى. ومن جانب الحكومات، أو من وقعت السلطة في أيديهم، فليس لديهم برنامج حقيقي ولا يديرون الأمور بجدية، لذا يدارون عجزهم وإخفاقهم وأحيانا جرائمهم بإلقاء المسؤولية على هذه الأطراف الغامضة الوهمية".
ويقول "كثير من الأحداث الدموية والمأساوية التي جرت في مصر وتم حفظها في العامين والنصف الماضيين، كان الإخوان ضالعون فيها ولكن كان هناك تواطؤ مع المجلس العسكري، الذي حكم بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك".
يكتب الليبي صلاح مبروك على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت عنوان "أكذوبة الطابور الخامس".
ويتساءل مبروك "أين اختفى الطابور الخامس وأين هي أفعاله التي كنا نشاهدها كل يوم في الشارع الليبي؟ لماذا لم يعد هناك أثر لهذه القلة التي كانت السبب في قلقلة البلاد في الفترة الماضية؟".
ويخلص إلى أن "الطابور الخامس هم من كانوا سببا في عدم تسليم السلاح من الثوار لأنهم يريدون زعزعة الأمن في البلاد وهم من كانوا سببا في سرقة السيارات وهم من كانوا يقتحمون المنازل والمقار العامة وهم من كانوا يمشطون الأبنية والمؤسسات الحكومية ويهربون الأموال إلى الخارج ويتقاضون الملايين من أجل تهريب المطلوبين من النظام السابق وهم من كانوا يدخلون الممنوعات من الخمور والأدوية والأسلحة إلى ليبيا وهم من كانوا يقفلون الطرقات ويسلبون الثروات وهم من كانت لهم علاقة بالتفجيرات التي تحدث في ليبيا وهم من كانوا وراء عدم استقرار الأمن في ليبيا ...الخ".
"إذا كانت هذه هي حقيقة الطابور الخامس فلماذا لم نعد نسمع عنهم؟ أين اختفوا هل انتهوا، انقرضوا، ماتوا، قضي عليهم أم أنها كانت كذبة من أكاذيب أصحاب النفوس المريضة وتم استبدالها الآن بكذبة أخرى وهي أزلام القذافي؟ ولننتظر المستقبل، ماذا يخبئ لنا المتسلقون من أكاذيب".