تحولت غرفة الشهيد لدى بعض الأسر السورية إلى نقطة إسعاف أولية، حيث أزالوا ما تبقى من أشيائه ليحل مكانها سرير متواضع لاستقبال الجرحى والمصابين، فيما تقبع عدة الأدوية خلف ستارة الغرفة.

وفي بيوت أخرى استغنى أصحابها عن الغرفة الكبيرة أو الوحيدة المخصصة للضيوف لتحويلها إلى مكان مجهز لعمليات جراحية خطرة قد تنجح... وقد لا تنجح.

وفيما تجري العمليات الجراحية أو الإسعافية في الداخل يقف أصحاب المنزل من الأب أو الأم أو ما تبقى من العائلة أمام الباب مباشرة في حالة ترقب وجاهزية تامة، فقد يحتاج الجريح إلى دماء وهم لم ولن يبخلوا بها إن احتاجها، أو قد يحتاج الطبيب أو المتدرب إلى مساعدة وهم سيتغلبون على خوفهم من منظر الدماء وسيكونون على مقدار المسؤولية تماماً.

منذ بداية الاحتجاجات في سوريا منتصف مارس الماضي، واتخاذ النظام السوري الحل الأمني ضد المحتجين المطالبين بالمزيد من الحريات ارتفع عدد المصابين والجرحى في كافة المدن السورية.

وأمام واقع عدم تمكنهم من الذهاب إلى المستشفيات لتلقي الإسعافات الأولية أو حتى إجراء العمليات الجراحية الملحة بسبب التواجد الأمني المكثف هناك والذي يعمل على اعتقال الجرحى وتحويلهم إلى أروقة أفرع الأمن، برزت الحاجة الملحة لإيجاد ما يسمى بالمشافي الميدانية التي تتولى أمر علاج الجرحى والمصابين.

سكاي نيوز عربية تواصلت مع نزار، أحد مؤسسي "مؤسسة الإغاثة والتنمية الإنسانية في سوريا " الناشطة على الأرض السورية منذ بداية الأحداث منتصف مارس 2010، والذي زودنا بتفاصيل عائلات سورية تقدم كل ما لها لأجل الحرية.

يقول نزار "أغلب المنازل التي تم تحويلها إلى مشافي ميدانية لمعالجة جرحى المصابين في المظاهرات برصاص الأمن كان فيها حالات شهادة أو مصابين وجرحى، وأمام ما رآه الأهل من عذاب أبنائهم وصعوبة علاجهم وعدم توفر المواد الإسعافية الأولية من شاش طبي ولاصق للجروح بالإضافة إلى المواد المعقمة، قرروا أن تجهيز غرفهم لعلاج ضحايا العنف، كي لا يختبروا المر الذي اختبروه، أو يجربوا حسرة القلب وحالة العجز من الوقوف عاجزين أمام تألم من يحبون مع فقدان القدرة على المساعدة".

وفي عدد من المنازل في ريف دمشق وحماه حولت بعض العائلات غرفة ابنهم الشهيد إلى "نقطة إسعافية في إصرار منهم لاستمرار ما بدئه شهيدهم نحو إسقاط النظام".

وحرصاً على سلامة الأهالي والأطباء المتطوعين والمتدربين، ولحماية الأجهزة الطبية الثمينة التي إن ذهبت من الصعب جداً تعويضها، عملت مؤسسة دعم على "تقسيم العمل الطبي الميداني إلى قسمين هما نقطة طبية إسعافية  ومستشفى للعمليات الجراحية".

ولا تتمركز المستشفيات الميدانية في المنازل بشكل كلي فهي تتواجد أحياناً في "عيادات جانبية غير معروفة، وأحياناً أخرى في سيارات "فان" مغلقة أو صيدليات وفقاً للظروف المرافقة لكل حالة".

وعن عدد الأطباء الميدانيين وما إن كانوا قادرين على إسعاف كل الجرحى وتغطية العمليات الجراحية الميدانية الضرورية قال نزار "بالرغم من أن الهلال الأحمر السوري في حمص بكامله مع الثورة على عكس إدارته الموجودة في دمشق والموالية للنظام، وبالرغم من أن طواقم الهلال الأحمر تخرج في دوريات مساعدة طبية من دون إذن في أوقات مختلفة، وبالرغم من عدد الأطباء المتطوعين إلا أننا نواجه نقصاً كبيراً في عددهم".

"ففي كثير من الأحيان يكون هناك عشرات الجرحى وثلاثة أطباء فقط مما يؤدي إلى استشهاد الكثيرون منهم وهذا بالإضافة إلى النقص في التجهيزات الطبية اللازمة".

وتعذر على سكاي نيوز عربية التواصل مع الطبيب الميداني أبو الحسن في منطقة الرستن نتيجة قطع الاتصالات هناك، لكننا تمكنا من التواصل مع الطبيب أبو الهدى في ريف دمشق والذي تحدث لنا "عن الانقطاع المستمر للكهرباء والذي حال دون تخزين الدماء التي تم التبرع بها فعمدوا إلى وضع لائحة بأسماء المتبرعين وفصيلة دمهم للتواصل معهم في حال الحاجة، ويكون نقل الدم حينها بشكل مباشر من المتبرع إلى المصاب".

وأشار أبو الهدى إلى "الحاجة الشديدة للمولدات الكهربائية لتغطية المشافي الميدانية التي يبلغ عددها في ريف دمشق فقط 30 مشفى ميدانيا، فيما يوجد في حمص ما يفوق الـ 30 مشفى كلها بحاجة الكهرباء لتعمل الأجهزة، فكثيراً ما يستشهد الجرحى بسبب انقطاع الكهرباء".

وتتبرع عائلات ميسورة داخل سورية وخارجها بمبالغ مالية كبيرة مكنت الأطباء والتنسيقيات من تأمين بعض الأجهزة الطبية، بالإضافة إلى جهات طبية تكفلت بالباقي مثل أطباء بلا حدود والرابطة الطبية للمغتربين واتحاد الأطباء العرب أما المولدات الكهربائية فلا توجد جهة تقدمها.

ورغم الوضع الحرج قال أبو الهدى بسعادة أنهم "تمكنوا أخيرا من إدخال شحنة مواد طبية إلى باب عمر تكفي لفترة طويلة بمساعدة الأهالي الذين يعرفون الطرقات كما يعرفون أكف أيديهم على خلاف حواجز الأمن التي تتمركز في الشوارع الرئيسية فقط.