على الرغم من دعوة جماعة الإخوان المسلمين للتظاهر مجددا الأحد، شهد الشارع المصري عودة بطيئة وحذرة إلى العمل بعد توقف لعدة أيام بسبب المواجهات العنيفة التي دارت بين قوات الأمن وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، التي خلفت نحو 750 قتيلا منذ يوم الأربعاء.

وبدت الشوارع شبه خالية صباح الأحد سوى من عدد قليل من السيارات والمارة وسيارات النقل العام على صورة مناقضة للازدحام المروري الشديد المعتاد في هذا الوقت في الأيام العادية.

وصرح البنك المركزي المصري الأحد أن البنوك المغلقة منذ يوم الأربعاء "ستعاود العمل اليوم من التاسعة صباحا حتى الثانية عشرة ظهرا"، وهي فترة عمل منخفضة بنحو 3 ساعات عن مواعيد العمل المتبعة في الظروف العادية.

وكانت كل المصارف العاملة في السوق المحلية قد أغلقت يوم الخميس نظرا للأحداث.

كريم مفيد، يسكن بمدينة 6 أكتوبر ويملك حق استغلال محطة بنزين بمنطقة الدقي. عاد الأحد إلى العمل بعد أن اضطر إلى إغلاق المحطة لمدة 4 أيام بسبب قربها من أماكن الاشتباكات خشية على حياة العاملين بها.

"كانت الاشتباكات قريبة وامتدت التظاهرات إلى المنطقة فقررت إغلاق المحطة وصرف العاملين بها حيث يسكن أغلبهم في أماكن بعيدة حتى يصلوا إلى منازلهم بسلام".

ويؤكد مفيد أنه "تكبد خسائر مادية فادحة بسبب هذا الإغلاق فضلا عن التسبب في الاضطراب للزبائن المعتادين وهو ما يؤثر على الثقة في التعامل".

ويقول مفيد "بالطبع شعرت بقلق عند خروجي اليوم فلا أعرف ما سأتعرض إليه وإذا كنت سأتمكن من العودة، أم إن كان الطريق سيغلق".

لكنه مصمم على "استمرار الحياة بشكلها الطبيعي، فهذه الحالة ستستمر غالبا لعدة شهور وتوقف الحياة والرضوخ للخوف معناه الموت وانتصار العنف".

راندا، تعمل مستشارة إعلامية بإحدى السفارات الأوروبية، تسكن في مدينة نصر بالقرب من مسجد رابعة العدوية الذي شهد اشتباكات عنيفة عندما فضت قوات الأمن اعتصام الألاف من أنصار الإخوان المسلمين صباح الأربعاء الذين اعتصموا في المكان لمدة 48 يوما.

منذ الأربعاء لم تذهب راندا إلى عملها بحي الزمالك، الواقع في الطرف الأخر من المدينة. كانت طوال أيام الاعتصام تضطر أن تسلك طريقا موازيا لرابعة العدوية.

"مررت اليوم لأول مرة بالميدان وشعرت كأنني أدخل مدينة السويس بعد الاعتداء الإسرائيلي عليها عام 1967".

"محطة بنزين محروقة والجامع محترق والأرصفة مخلوعة وكان هناك عمال وألات يحاولون إعادة رصف الطريق بعد أن قام المعتصمون بتجريف الأسفلت"، حسب شهادتها.

وترى أن "الخوف ليس فقط من انقطاع الطرق ولكن من ردة فعل المتظاهرين، فقد رأينا، الخميس، كيف قام أحد أنصار الإخوان بإطلاق نار بطريقة عشوائية من فوق كوبري 15 مايو على شرفات ونوافذ بيوت في الزمالك، وقد يصيب أي أحد طلقة كما يمكن أن يقوموا بتحطيم السيارات وإيذاء من فيها".

وتؤكد أنه على الرغم من تهديدات الإخوان بالخروج مجددا في تظاهرات الأحد، إلا أن "السفارات الأجنبية قررت أن تطيل من فترة عملها حتى تعوض التعطيل وتتمكن من انجاز العمل المتراكم".

موافي محمود موافي يعمل خادما بأجر يومي في منازل بحي المهندسين بينما يقطن بحي بولاق الدكرور الشعبي.

"بالطبع لا أملك سيارة، مشوار العمل يأخذ من وقتي ساعتين إلى ثلاث يوميا. أستقل توكتوك ليخرجني من شارع مسكني إلى الشارع الرئيسي ثم أنتظر سيارة أجرة بالنفر".

"قطع الطرق ومحاولات الإخوان نقل الاعتصامات إلى ميدان مصطفى محمود بحي المهندسين يوم الأربعاء منعني من الذهاب إلى العمل منذ ذلك اليوم".

ويسأل موافي "هل تعلمون ماذا يعني ذلك بالنسبة لرجل زوجته متوفاة ويعمل بالأجر وعليه أن يطعم ثلاثة أطفال؟ إنه خراب بيوت. لذا، وعلى الرغم من الخوف وصعوبة إيجاد مواصلات اليوم نزلت إلى العمل لتأمين لقمة العيش".

ويضيف "لكن الله أعلم إذا كنت سأتمكن من العودة إلى أطفالي مساءا أم لا".

وفاء شرف لم تتوقف عن العمل سوى يوم السبت فقط بسبب دخول مسيرة للإخوان حي شبرا الذي تقطن به ووقوع اشتباكات عندما تصدى الأهالي لهم ومنعوهم من دخول المنطقة.

تعمل وفاء مديرة إدارة حسابات وإصدار حي المعادي الواقع جنوب شرق العاصمة يبعد نحو كيلومترا عن مسكنها وفي الطرف الأخر من المدينة.

"لا، لم أكن خائفة وأنا ذاهبة إلى العمل ولكن قلقي هو على ابنتي الطالبة والتي تركتها وحدها في المنزل. أخشى أن يهجم المتظاهرون على المنازل وأن يأخذوا رهائن فلا أحد يعرف ماذا يمكن أن تكون ردة فعلهم"، حسب شرف.

شرف تستخدم المترو للذهاب إلى عملها وتؤكد أنه يعمل بشكل طبيعي ولكن تخشى من أن يتم اقتحامه وتعطيل الحركة به كما حدث من قبل.

المصلحة التي تعمل بها قررت تخفيض ساعات العمل لتكون من الساعة 8 إلى 12 صباحا بدلا من 8 صباحا إلى 7 مساء.

"لا نتمكن من إنجاز أي شيء خلال هذه الفترة الضيقة وهذا يعني تعطل مصالح المواطنين وتعطل الانتاج وهو ما يحقق خسائر كبيرة".

عبير عطيفة، المتحدث الرسمي باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، تعمل من المنزل منذ يوم الأربعاء وكان من المفترض أن تعود إلى مكتبها الأحد إلا أن وحدة الأمن الخاصة بالبرنامج قررت تعطيل العمل ليوم أخر للتأكد من استتباب الأوضاع وعدم تعرض الموظفين لخطر.

وتقول عطيفة "أعتقد أن هذا الوضع سيستمر لعدة شهور مقبلة وحتى إيجاد حل سياسي وعلينا أن نتعايش مع الأوضاع".

وتضيف "بالطبع، نحن كبرنامج الغذاء العالمي معتادون على العمل في أصعب المناطق وتحت أحلك الظروف، ولكن سيكون علينا جميعا كشعب أن نذهب إلى عملنا ونخرج ونأكل ونتنزه فالحياة يجب أن تستمر".