لم يكن لحاق حلب بركب المدن الثائرة ضد حكم الرئيس بشار الأسد سريعا، فقد تأخرت عاصمة سوريا الاقتصادية وثاني أكبر مدنها قرابة عام حتى بدأت الثورة تمتد من ريفها إلى قلبها، وفي أواخر يوليو تمكن الجيش السوري الحر من السيطرة على أحياء كاملة في المدينة مثل الصاخور وصلاح الدين والسكري وبدأت المدينة تشهد اشتباكات مسلحة عنيفة بين الجيشين النظامي والحر لبسط السيطرة على أحيائها.

وقد ساهمت جامعة حلب بدور كبير في نقل التظاهرات إلى المدينة، بعد أن خرج طلابها في أكثر من مناسبة مطالبين بإسقاط النظام، وتعرضت هذه المظاهرات في كثير من الأحيان لإطلاق النار، واضطرت الحكومة منذ شهرين إلى إغلاق أبواب الجامعة أمام طلابها لمنع المظاهرات.

قديما كانت حلب ممرا لطريق الحرير الذي كانت تسلكه قوافل التجارة قادمة من الهند والصين، وهي إلى الآن تعرف بتجارها الذين عوّل عليهم نظام البعث في سوريا في الحفاظ على سيطرته على البلاد، من خلال دمج مصالحهم بالنظام الحاكم ورجالاته، ليكون هؤلاء التجار أول المدافعين عن نظام الحكم طالما كان مسيرا لمصالحهم.

وهذا ما يفسر تأخر المدينة قرابة عام كامل في الانضمام إلى المدن التي ثارت على نظام الرئيس بشار الأسد، حين انطلقت الاحتجاجات في مارس 2011 بمظاهرة في دمشق ثم باعتقال أطفال في درعا أعقبه تظاهرات مطالبة بالإفراج عنهم قوبلت بالرصاص، فتظاهرت لنصرتها حمص واللاذقية وإدلب ودير الزور وريف دمشق وريف حلب.

ولم يكن ارتباط التجار برجالات الدولة سببا وحيدا لتأخر التظاهرات، إذ أن هناك سببا آخر وهو توظيف الحكومة بعض العائلات ذات الامتداد الواسع في المدينة (عائلة برّي نموذجا) في قمع التظاهرات، وقد زاد عدد هؤلاء على 30 ألفا في مدينة حلب وحدها، ما كان كفيلا في إجهاض الأعمال الاحتجاجية ولو إلى حين.

قلعة حلب

تقع حلب في الشمال السوري وتشترك بحدود برية مع تركيا، وتبعد عن العاصمة السورية دمشق 350 كيلومترا، ومساحتها 190 كيلومترا مربعا، ويقطن فيها نحو 5 ملايين سوري بينهم عرب وأكراد وأرمن.

وحلب هي إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، ومنذ ما لا يقل عن أربعة آلاف عام. كانت حينها عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية، وتعاقبت عليها بعد ذلك حضارات عدة مثل الحثية والآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والإسلامية. وفي العصر العباسي برزت حلب كعاصمة للدولة الحمدانية.

تشتهر حلب بأوابدها التاريخية الكثيرة مثل قلعتها الشهيرة، كما أن أبوابها وأسواقها من أعرق أسواق الشرق، وكنائسها ومساجدها ومدارس العلم فيها وصناعاتها ذائعة الصيت منذ زمن بعيد.

وتحمل هذه المدينة تراثا متميزا في كافة المجالات العلمية والفنية والأدبية والثقافية. نظرا للأهمية التاريخية والعمرانية التي تتمتع بها مدينة حلب فقد اعتبرتها منظمة اليونسكو مدينة تاريخية هامة نظرا لتنوع وغنى التراث الإنساني الذي تشمله خاصة وأن فيها أكثر من 150 معلما أثريا هاما تمثل مختلف الحضارات الإنسانية والعصور.