تعاني ليبيا منذ سقوط الرئيس السابق معمر القذافي من عدم وجود جيش متكامل ينضوي تحت جهة رسمية محددة مثل وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، ما يترك الساحة الأمنية شبه خالية لانتشار الميليشيات في طول البلاد وعرضها.

وسلط تصويت أعضاء المؤتمر الوطني العام في ليبيا على استقالة رئيس الأركان يوسف المنقوش والتي أرجئت إلى بداية يونيو لإيجاد البديل المناسب؛ الضوء من جديد على ضعف قوى الأمن والجيش في الحفاظ على أمن البلاد.

وتدخل الكتائب المسلحة في جسم الجيش الليبي، كمجموعات وليس كأفراد، وهي أكبر مشكلة تواجه تشكيله، فعناصر الكتائب تنصاع فقط لآمر الكتيبة وليس لقيادي الجيش وأصحاب الرتب.

ويؤكد على ذلك الناشط السياسي منير المهندس في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" بأن: "المدنيين الذين أصبحوا ثوارا وشاركوا في إسقاط نظام القذافي، هؤلاء لا ينصاعون لأوامر أحد وينظرون إلى أنفسهم بأنهم أكبر من أي رتبة عسكرية، ويقدمون ولاءهم لقادة جبهة القتال".

وأضاف المهندس أن "العزل السياسي ساهم في تشتيت وتعميق فراغ الجيش الليبي، بعزل أصحاب الرتب العسكرية العليا"، وأوضح "بعد عامين على نجاح الثورة، هناك حوالي ستين ألف ضابط وضابط صف وجنود يتقاضون مرتباتهم دون جدوى في المنطقة الشرقية".

وعبر المهندس عن مخاوفه من تدخل قوات أجنبية في حال استمرت تداعيات الأزمة العسكرية على بناء الجيش، في ظل ترامي أطراف الدولة الليبية وضعف تأمين حدودها مع الدول المجاورة.

ومنذ الأحد الماضي، تحاصر ميليشيات مسلحة مقر وزارتي الخارجية والعدل وسط العاصمة طرابلس، بآليات مزودة بمضادات جوية وقاذفات صواريخ في محاولة للضغط على المؤتمر الوطني العام، أعلى سلطة سياسية في ليبيا، لحمله على تعديل قانون بشأن استبعاد مسؤولي النظام الليبي السابق من الحياة السياسية، وهو ما يطرح تساؤلات عدة بشأن دور الجيش في لجم هذا الجماعات.

وردا على الجماعات التي تحاصر الوزارتين قال وزير الدفاع الليبي محمد البرغثي في بيان أن " هناك عددا من الضباط الذين تحكمهم المصالح الشخصية والجهوية لا ترغب في بناء الجيش من جديد، والمطالب بتغيير قيادات الجيش لا تتم بهذه الصورة، خاصة وأن الوقت حساس جدا ولا يحتمل تغيير ضباط بعينهم ويجب الصبر على أدائهم".

وتتنوع الجماعات المسلحة في ليبيا إلى ميليشيات قبيلة، وأخرى فكرية، وثالثة تعود لأشخاص ذوي نفوذ سياسي أو مالي. وتتمركز هذه الجماعات في المنطقة الشرقية والغربية والجنوبية من البلاد، ومجموعة أخرى في الجنوب. ويصعب هذا الانتشار الجغرافي الواسع للميلشيات على قوى الأمن الحكومية بسط سيادتها على ربوع البلاد.

وأثار انتشار الأسلحة في ليبيا مخاوف وقلق الكثيرين، لا سيما بعد الهجوم على السفارة الأميركية في طرابلس والذي راح ضحيته السفير الأميركي وثلاثة من موظفي السفارة في سبتمبر 2012.

وعلى إثر هذا الهجوم، نظمت الحكومة حملة لجمع السلاح أسلحتهم ليوم واحد بالتعاون مع منظمات أهلية، إلا أن هذه الحملة على ما يبدو لم تؤت أكلها، إذ تلاحقت أعمال العنف في البلاد، وأبرزها استمرار اقتحام المؤسسات الحكومية ومحاصرة أخرى.

ويفتح وقوع الأسلحة الثقيلة في أيدي جماعات غير منضوية تحت لواء الدولة، الباب واسعا لمزيد من العنف. ويقول سكان في مدينة طرابلس "إن الأسلحة في متناول الجميع، وهي منشرة بكثافة في السوق السوداء وبأسعار زهيدة". ويجوب شوارع العاصمة الليبية شبان مسلحون بالرشاشات ومدافع آر بي جي.

ومع موجة العنف المتسارعة في ليبيا، يبدو أن جمع السلاح سيأخذ وقتا طويلا حتى تتمكن أجهزة الدولة من بسط سيطرتها على أنحاء البلاد كافة. وما يؤكد ذلك الكميات الكبيرة من الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها بعد سقوط معمر القذافي.