لم يشهد قطاع غزة في تاريخه هذا العدد الكبير من أصحاب رؤوس الأموال كما هو عليه هذه الأيام. فقد فرخت الأنفاق منذ خمس سنوات من الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، أكثر من 2000 ثري، وفق دراسة أكاديمية أعدها خبير اقتصادي فلسطيني.
ويُهرب عبر الأنفاق، التي يقدر عددها بنحو 1000 نفق المحروقات والمواد الغذائية والملابس والمواشي والسيارات والأدوية وسلاح المقاومة والمنشطات الجنسية وحتى المخدرات، حسب دراسة أعدها د. سمير أبو مدللة بعنوان: "اقتصاد الأنفاق في قطاع غزة: ضرورة وطنية أم كارثة اقتصادية واجتماعية".
أنفاق قضى أكثر من 200 شخص أثناء حفرها والقصف الإسرائيلي لها، وفق أحدث تقرير لمركز الميزان لحقوق الإنسان.
أبو سجي، 40 عاماً، كان الوحيد الذي وافق علي التحدث عن تجارته من ضمن مجموعة من أصحاب الأنفاق الذين اتصلت بهم "سكاي نيوز عربية"، بينما اعتذر آخرون لدواع وصفوها بـ"الأمنية".
وقال أبو سجى، الذي اكتفى بالتصريح بكنيته، إنه يعمل في تهريب البضائع منذ نحو عشر سنوات، إلا أن نشاطه التجاري تعزز خلال فترة الحصار.
أنفاق سياحية
"الأنفاق هي المنفذ الوحيد للغزيين الذين يحتاجون إلى 9000 سلعة، تمنع إسرائيل دخولها إلى القطاع منذ خمس سنوات"
وأوضح أن عمل نفقه يقتصر حالياً على "تهريب الأفراد من قطاع غزة وإليه، بعد تسديد مبلغ 200 شيقل إسرائيلي له (53 دولاراً) عن الشخص الواحد، عقب الحصول على تصريح للدخول والخروج مما يعرف بين أهالي القطاع باسم "لجنة الأنفاق"، التي يقول أن "حكومة حماس شكلتها لتنظيم حركة البضائع والأفراد". وقال إن "عدد أنفاق الأفراد تبلغ 20 نفقاً". ويطلق الغزيون على هذه هذا النوع من الممرات "أنفاق سياحية".
وبين أن "حكومة حماس تجبي ضرائب عن البضائع الواردة للقطاع عند بوابة صلاح الدين على الحدود مع مصر"، ويُعطى صاحب كل شاحنة "ورقة إرسالية"، بعد أن يتم وزن الحمولة وتحصيل الضريبة. "فمثلاً عن كل شاحنة حصى، حمولة 35 طناً تُسدد رسوم قدرها 100 دولار".
وأضاف أن النفق الذي يديره حالياً يبلغ طوله 180 متراً، ويستغرق السفر فيه من غزة إلى مصر والعكس ثلاث دقائق مشياً على الأقدام، وبلغت تكلفة حفره 150 ألف دولار، ويعمل فيه 15 شخصاً.
وأشار إلى أن نحو 100 شخص يعبرون نفقه يومياً بالاتجاهين. وبحسبة بسيطة يجني شهرياً 159 ألف دولار.
ورفض أبو سجى الإفصاح عن استثماراته في القطاع، واكتفى بالقول "إنها مشاريع كثيرة ومتعددة". وتتنوع مشاريع "أثرياء الأنفاق" بين شراء الأراضي والعقارات وإنشاء المحلات التجارية وبيع السيارات وإقامة المنتجعات السياحية ومزارع الأسماك.
"أمراء الأنفاق"
"تمتد الأنفاق على مسافة 8 كيلومترات من أصل من أصل 13 كيلومتراً من الحدود مع مصر، ولأن التربة في هذه المنطقة طينية، فإنه من السهل الحفر فيها"
ويقول د. أبو مدللة إن الأنفاق أدت إلى ظهور طبقة من الأثرياء الجدد، ممن وصفهم بـ"أمراء الأنفاق"، الذين "يزيد عددهم عن 2000 شخص، ولديهم ثروات بالملايين، ويملكون أراضي وفللاً وسيارات حديثة".
واعتبر المشاريع الناجمة عن سيولة الأنفاق "تبييضاً للأموال". وقال: "هذه غير استثمارية وغير منتجة. فقد تحول الاقتصاد الغزي في ظل تجارة الأنفاق إلى استهلاكي، يقوم بتصدير المال فقط ويستورد السلع، وبالتالي أصبح غير منتج، بل ريعياً وطفيلياً".
وعزى ارتفاع أسعار السلع المهربة، إلى "جشع التجار وأصحاب الأنفاق والضرائب التي تفرضها حكومة حماس". وقال إن "استغلال التجار أدي إلى رفع أسعار بعض السلع إلى 400% أحياناً"، مضيفاً: "أصبحت الأنفاق أداة رئيسية للاستغلال واحتكار الثروات السوداء وغير المشروعة".
وقال أبو مدللة إن "90% من الأنفاق، التي يتراوح عددها بين 800 إلى 1000 نفق، تعود ملكيتها إلى حماس، وأشخاص مقربين منها".
ورأى أن "حماس تجني أموالاً طائلة من ورائها، فترخيص النفق الواحد يكلف 2500 دولار، و1000 دولار لتوصيل الكهرباء". وأضاف أن الاستثمارات المملوكة لأصحاب الأنفاق في قطاع غزة بلغت العام الماضي 2.7 مليار دولار، وأن متوسط الدخل اليومي لمالك النفق يصل إلى 30 ألف دولار.
منطقة أمنية مغلقة
"يتراوح طول الأنفاق من 200-1000 متر، ويصل بعضها إلى 1500 متر، ويتراوح عرضها من نصف متر إلى مترين، وتحفر على عمق يتراوح من 8-15 متر تحت سطح الأرض، ويصل أحياناً إلى 30 متراً"
وأبلغ صحفي من غزة قريب من حركة حماس "سكاي نيوز عربية"، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "حكومة حماس تضبط شهرياً كميات كبيرة من المخدرات، والأدوية الممنوعة مثل الترامال، التي يعمد مهربوها إلى تعبئتها في أواني الطهو، وإطارات السيارات، والتلفزيونات، والثلاجات، وعلب المواد الغذائية، وأدوات السباكة المفرغة".
وأضاف أن نحو 150 سيارة محملة بالبضائع تعبر الحدود كل ساعتين تقريباً، وأن "حكومة حماس تجنبي الضرائب حسب الحمولة (وزناً أو عدداً)، فعن كل كيس أسمنت مثلا تجبي 3 دولارات. وعن السيارات الشخصية 3000 ولار للواحدة، فضلاً عن 1000 دولار تدفع لصاحب النفق".
وأضح أن حكومة حماس تحكم حالياً قبضتها الأمنية على منطقة الأنفاق، خصوصاً بعد هروب مشتبه فيهم بالقتل عبرها، واتهامات مصر وإسرائيل لحماس بدخول عناصر منها إلى الأراضي المصرية لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، وتزايد اتهامات إسرائيل للحركة بدخول عناصر من القاعدة إلى غزة.
وقال شاهد عيان لـ"سكاي نيوز عربية" يقطن بالقرب من الشريط الحدودي، إن عناصر شرطة حكومة حماس، برفقة آخرين من كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة؛ يضربون طوقاً أمنياً على الشوارع المؤدية إلى منطقة الأنفاق، ويخضعون العاملين فيها للتفتيش يومياً، ويسمحون للشاحنات بالدخول إليها عبر ثلاثة منافذ فقط.
وتعتبر حماس التهريب عبر الأنفاق في ظل الحصار مشروعاً، إلا أنها لا تعلن عن ذلك صراحة، رغم أنهت تقيم لجاناً لضبط عملية دخول البضائع والأفراد.
حماس: لا تعليق
"ملاك الأنفاق هم من صغار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 عاماً، وغالبيتهم من جمهور حماس أو المحسوبين عليها، ويصل عدد العاملين فيها إلى حوالي 15 ألف شخص"
وبعد اتصالات عدة من "سكاي نيوز عربية" بمسؤولين في وزارة الداخلية التابعة لحماس، للتعليق على الموضوع، أحالنا خلالها كل واحد منهم إلى آخر، أجابنا وكيل الوزارة أبو صهيب ماضي، باقتضاب قائلاً: "إن وضع الأنفاق غير قانوني، لأنها وجدت في ظروف غير طبيعية، وقبل أن نسأل عن الأنفاق والأثرياء، لا بد من السؤال عمن تسبب بالحصار، وفرض علينا هذا الوضع".
ورفض ماضي إعطاء أي تفاصيل عن عدد الأنفاق، وطريقة تشغيلها، وكيفية تنظيم حماس لدخول البضائع عبرها وجباية الضرائب من مستخدميها.
وعند سؤاله عن الممنوعات التي تهرب من الأنفاق قال: "لا أريد التعليق". وعندما طلبنا منه إحالتنا إلى مسؤول يمكنه التعليق، أجاب: "لا أحد في الحكومة مخول بالحديث عن هذا الموضوع، ولا أريد الحديث أكثر من ذلك".