يقف لبنان اليوم على حافة أزمة غير مسبوقة، مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحصر السلاح بيد الدولة، في ظل تمسك حزب الله بسلاحه واستمرار التصعيد الإسرائيلي الذي قد يتحول في أي لحظة إلى مواجهة شاملة.

ومع استمرار الضربات على الحدود الشمالية والجنوبية، وتنامي التوترات السياسية الداخلية، يواجه لبنان اختباراً صعباً لقدرة مؤسساته على فرض الدولة وحماية السلم الأهلي، وسط مساعي دولية مضنية لاحتواء التصعيد وضبط الحدود، في وقت تبدو فيه خيارات الدولة محدودة أمام موازين القوى الإقليمية والدولية المتشابكة.

لبنان وإسرائيل.. موجة تصعيد ومناورات شاملة

أكدت الكاتبة الصحفية مايا خضرا، خلال حديثها إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن الضربات الأخيرة كانت متوقعة، وأنها تحمل رسائل متعددة.

أولها، وفق تحليلاتها، رسالة إسرائيلية مباشرة إلى فرنسا التي استضافت قمة دولية مؤخراً، بعد رفض تل أبيب مشاركة المبعوثة الدبلوماسية آن كلير لوجاندر في لجنة الميكانيزم قبل أسبوع.

وفق خضرا، هذه الخطوة تعكس عدم ثقة إسرائيل بطريقة فرنسا في معالجة الشأن اللبناني، وتشير إلى انتقاد ضمني للنهج الفرنسي الذي ركز على "الاحتواء" لسلاح حزب الله شمال الليطاني بدلاً من نزع السلاح بشكل كامل.

الدور الفرنسي.. محدود واحتوائي

تلفت خضرا إلى أن فرنسا تحرص على السلم الأهلي في لبنان، لكنها لا تمتلك الدور التنفيذي الفعلي في عملية نزع السلاح، خاصة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار ومراقبة سلاح حزب الله.

وقد استضافت باريس مؤتمراً دولياً لدعم الجيش اللبناني واحتواء المظاهر المسلحة، لكنه وفق خضرا خطوة تكسب الوقت أكثر من كونها آلية فعالة لنزع السلاح.

الأولويات الإسرائيلية والأميركية

ذكرت خضرا أن إسرائيل تركز على أمن حدودها الشمالية واستقرارها، بينما الولايات المتحدة تهتم بشكل رئيسي بنزع سلاح حزب الله لضمان أمن المنطقة.

في المقابل، الدولة الوحيدة القادرة على لعب دور داخلي فعلي في لبنان هي فرنسا، نظرا لحيثيتها التاريخية والسياسية، خصوصا في مراقبة الانتخابات النيابية ومكافحة الفساد وتحفيز الإصلاحات.

إسرائيل تكثف الغارات على لبنان

مخاوف الحرب الأهلية واستمرار التوتر

تحذر خضرا من مخاطر حرب أهلية محتملة، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية جوزيف عون والجانب الفرنسي يعبران عن مخاوف مشتركة تجاه رد فعل حزب الله في حال المس بالسلاح شمال الليطاني أو في الضاحية الجنوبية.

ورغم هذه المخاوف، ترى خضرا أن الضربات الإسرائيلية مستمرة وأن المعادلة الحالية تتطلب خطوات استراتيجية غير تقليدية، تشمل نزع القوة العسكرية والسياسية لحزب الله دون المس بالشرعية الدستورية لمشاركته السياسية.

المناورات الدبلوماسية.. تكتيك لكسب الوقت

أكدت خضرا أن الجهود الدبلوماسية الحالية، بما في ذلك مؤتمرات الدعم للجيش واللقاءات في الناقورة، تهدف بشكل رئيسي إلى كسب الوقت، إذ لم تمنع إسرائيل من شن ضرباتها المباشرة.

هذه الحركة تكشف، وفق خضرا، مدى تعقيد الواقع اللبناني وسط تعنت حزب الله وإيران، وضرورة تبني خطوات أكثر حسمًا لضمان فعالية أي جهود لنزع السلاح واستعادة الاستقرار.

إسرائيل بين الثابت العسكري والمسار السياسي

من جهته، أكد الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية منصور معدي أن الجانب الإسرائيلي يركز على تنفيذ الاتفاقات الثابتة التي تم التوصل إليها مع حزب الله، مؤكداً أن إسرائيل لا تربط بين المسار السياسي ووقف إطلاق النار، فهي من جهة تسعى إلى التوجه نحو السياسة، ومن جهة أخرى تواصل عمليات الاستهداف في العمق اللبناني وقطاع غزة، وفق قناعتها العسكرية بأن حزب الله لن يسلم سلاحه.

وأضاف أن الجيش والحكومة اللبنانية يفتقران إلى القدرة على اتخاذ خطوات حاسمة، وأن إسرائيل باتت تعتمد على نقل معلومات عن مخازن الأسلحة والأنفاق للجيش اللبناني، ما يعكس قصور أجهزة الاستخبارات المحلية عن رصد الواقع على الأرض.

لبنان على حافة الانفجار.. غارات إسرائيلية وتحركات لمنع الحرب

الضغوط الأميركية والمهلة المحددة

أوضح معدي أن الولايات المتحدة، حددت مهلة لإنهاء استعداد الجيش اللبناني، وإلا فإن إسرائيل ستتجه نحو الخيار العسكري. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي لديه قناعة راسخة بعدم استعداد حزب الله لتسليم أسلحته، مؤكداً أن الرسائل الإسرائيلية للأطراف اللبنانية واضحة: “إذا لم تتمكنوا من نزع السلاح، فنحن سنقوم بذلك، والولايات المتحدة توافق على هذا النهج”.

سيناريوهات التصعيد أو التهدئة

وبين معدي أن هناك عدة سيناريوهات مرتبطة باللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب، حيث قد تتجه إسرائيل إما إلى عملية عسكرية موسعة في الجنوب اللبناني وضرب العمق اللبناني، أو استمرار العمليات المحدودة كما تشهدها مناطق جرود الهرمل وجزين وبعلبك.

في كلا السيناريوهين، من المتوقع استمرار التصعيد حتى الوصول إلى تفاهمات جديدة، مع الإشارة إلى قدرة حزب الله على الرد بصواريخ لمدة خمسة أيام، ما يعيد الأمور إلى المربع الأول ويعقد مسار التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

ولفت معدي إلى أن إسرائيل تربط بين الملفات اللبنانية والغزة والساحة السورية والإيرانية، معتبرا أن أي ضوء أميركي للعمليات الموسعة سيصاحبه مطالب بتنازلات سياسية وأمنية.

كما أشار إلى أن المعضلتين الرئيسيتين أمام تنفيذ الاتفاقات هما نزع سلاح حزب الله في لبنان وحماس في غزة، مع وضع الشأن الإيراني على الطاولة باعتباره محورًا أساسياً لأي تفاهم مستقبلي.