أثار اتفاق طرفي حرب السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، على حماية مناطق إنتاج النفط بالتنسيق مع دولة جنوب السودان، تساؤلات حول الكيفية التي تم بها ذلك الاتفاق، مقابل فشل كل الجهود في إقناعهما بحقن دماء السودانيين بعد تعثر 10 مبادرات للحل السلمي، طرحتها أطراف دولية وإقليمية منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل 2023.
وفي خضم الجدل الدائر حول السماح للمدنيين بمغادرة المدن المحاصرة في كردفان، ووسط تهديدات من قيادات تابعة للجيش بتصفية كل من يفكر في النزوح من المدن المرشحة للقتال، وبعد تعنت مستمر في قبول المبادرات التي أطلقت منذ الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب من أجل حقن دماء السودانيبن، فاجأت دولة جنوب السودان المراقبين، الجمعة، باتفاق ثلاثي بينها وبين طرفي حرب السودان، على تأمين منشآت النفط في منطقة هجليج.
وسارعت بورتسودان، مقر حكومة البرهان، لاستقبال وفد برئاسة توت قلواك مستشار رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت للشؤون الأمنية، من أجل بحث تأمين الاتفاق.
ومثلت سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق حقول النفط في هجليج، نقطة تحول مفصلية في الحرب التي أدت إلى مقتل نحو 150 ألف شخص وتشريد الملايين، وفق تقديرات دولية، حيث أضافت بعدا آخرا تمثل في الصراع على الموارد.
ووضعت سيطرة قوات الدعم السربع على منطقة هجليج الغنية بالنفط، السلطة القائمة في بورتسودان ودولة جنوب السودان في مأزق كبير، حيث تمتلك دولة جنوب السودان واحدة من أكبر منشآتها هناك، كما يشكل مرور النفط عبر الأراضي السودانية أحد أكبر مصادر الدخل لخزينة بورتسودان.
تفضيل النفط على الأرواح
يقول مراقبون إن الطريقة ذاتها التي تم بها الاتفاق الأخير ودخول قوات أجنبية، هي التي طرحتها خارطة الطريق الإفريقية بعد أقل من شهر من اندلاع الحرب، التي تضمنت بندا بإدخال قوات للفصل بين الطرفين المتحاربين، وكان ينص على أن تكون الخرطوم مدينة منزوعة السلاح، وهو ما كان سيجنب البلاد إزهاق عشرات الآلاف من الأرواح التي قتلت بعد رفض الخطة الإفريقية.
ووفقا للقيادي في تحالف صمود رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، فإن "المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تحتم استدعاء ذات الإرادة التي أفضت لاتفاق حماية منشآت النفط كاتفاق إيجابي وموفق، وتوجيهها إلى ما هو أولى وأسمى، بالتوقيع على هدنة لحماية حق الإنسان المقدس في الحياة، وصون كرامته من الانتهاكات".
وأضاف في منشور على "فيسبوك": "النفط الذي يتدفق في خط الأنابيب ليس أغلى من الدماء التي تتدفق في شرايين البشر".
لماذا الاهتمام بالمنطقة النفطية؟
رأى مراقبون أن الاتفاق كشف زيف ادعاء رفض المبادرات الإقليمية والدولية بحجة الحفاظ على السيادة.
ويقول الباحث السياسي السوداني محمد أحمد، إن الاتفاق كشف حقيقة أن "السودان لم يعد يملك سيادته على موارده الحيوية، ولم يعد قادرا على حماية أرضه أو اقتصاداته الوطنية من دون تدخل خارجي".
ويضيف لـ"سكاي نيوز عربية": "ما جرى لا يشكل اعترافا بمشروعية أي طرف داخل السودان، بل يبرز انكسار الدولة وفقدانها القدرة على حماية شريانها النفطي الوحيد".
وكانت اتفاقية السلام الموقعة بين حكومة السودان والحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق عام 2005، التي أدت إلى انفصال الجنوب عام 2011، حددت خطوط شمال–جنوب داخل السودان قبل الانفصال، بما في ذلك وضع منطقة أبيي، وتركت مناطق حدودية معلقة، لتصبح لاحقا ورقة ضغط دائمة عند أي مفاوضات مستقبلية.
وبعد الانفصال استمر النزاع حول أبيي وحقول النفط الحدودية، خاصة في جنوب كردفان.
ووضعت اتفاقات تصدير النفط بعد الانفصال، السودان ودولة جنوب السودان في علاقة تبعية متبادلة، حيث ينتج الجنوب النفط، في حين يملك الشمال المنافذ البحرية وخطوط التصدير، مقابل رسوم وصلت إلى نحو 23 دولار للبرميل، شكلت موردا مهما لخزينة السودان، في وقت وصل به إنتاج نفط دولة جنوب السودان إلى ما يقارب المليون برميل يوميا.
ووفقا للباحث والمحلل دوت ميوين ملونق كوال، فإن نقل المعارك إلى هجليج، قلب النفط وعمود اقتصاد السودان ودولة جنوب السودان، لم يكن مجرد تطور عسكري عابر، بل "إعلان رسمي بأن الحرب أصبحت صراعا إقليميا مفتوحا".
ويضيف لـ"سكاي نيوز عربية": "الهجوم الأخير لقوات الدعم السريع على هجليج لم يكتف بإزاحة الجيش من واحدة من أهم مناطق الإنتاج النفطي، بل دفعها للهروب جنوبا وطلب اللجوء في دولة كانت هي نفسها الضحية للرصاص المتطاير من الطرفين لقرابة عامين".