على مدى عقود، وظف تنظيم الإخوان، المصنف على قوائم الإرهاب في عدة دول، استثمارات ضخمة في مشروعات تجارية واستراتيجيات مالية في دول متعددة، مع إخفاء أي صلة رسمية بها تحت اسم سوق الحلال العالمي "بيزنس الحلال".
ويكشف هذا النهج عن أسلوب الإخوان التقليدي، القائم على استخدام واجهات مستقلة وهياكل معقدة، تضمن استمرار تدفق الأموال بعيدًا عن الرقابة القانونية، بقيمة تتجاوز 7 تريليونات دولار.
فأفرع الإخوان عملت في الدول غير الإسلامية، بتوجيه من التنظيم الدولي، على التغلغل في "بيزنس الحلال" مستفيدةً من وجودها في المجتمعات الإسلامية المحلية في الدول الأوروبية والآسيوية ودول أميركا الشمالية والجنوبية، من أجل إصدار شهادات الحلال.
وبتحليل أسلوب عمل الكيانات المرتبطة بالإخوان والعاملة في إصدار شهادات الحلال يتضح أن الأفرع الإخوانية الرسمية لا تُصدر الاعتماد بشكل مباشر وإنما تنشئ منظمات أو غرف تجارية معنية بإصدار الشهادات، وتكون هذه الكيانات مرتبطة بالمراكز الإسلامية والجمعيات التي تديرها الإخوان، فتقوم هذه الكيانات بالقول إنها حصلت على اعتماد من المراكز الإسلامية (المرتبطة بالإخوان)، وتخصص جزءًا من عوائدها لرعاية أنشطة هذه المراكز التي تنشر أيديولوجيا الإخوان وتقوم بالعمل التنظيمي لصالح الجماعة.
وتجني المنظمات العاملة على إصدار رسوم الحلال أموالا طائلة، بصورة بسيطة، إذ يُفرض على كل مطعم أو شركة أو مؤسسة تجارية أو مجزر للحوم أو غيره أن تدفع رسومًا أو أمولا محددة مقابل الحصول على شهادة الحلال أو تجديدها بشكل دوري (سنوي عادة)، سواء كانت هذه الشهادة للسوق المحلي أو للتصدير، وهذا يضمن استمرار تدفق الأموال لخزينة الإخوان بصورة دائمة، لأنه كلما اشترى شخص سلعة من السلع الحاصلة على اعتماد "الحلال" ضمنت جماعة الإخوان دخول أموالا إلى محفظتها المالية.
تحايل على السياسات الرقابية
ولا يكون أي من هذه الكيانات العاملة في إصدار شهادات الحلال مرتبط بالجماعة من حيث الرابطة القانونية أو الشكلية وإنما تكتفي بالقول بأنها كيان إسلامي عامل في تجارة الحلال العالمية، وهذا يتيح للجماعة التخفي وسط الإمبراطورية الضخمة لشبكات الحلال العاملة في مختلف القارات والدول.
ويتيح هذا التخفي لهذه الكيانات المرتبطة بالتنظيم من الأساس أن تنفي صلتها بها حال واجهت أي تدقيق في أنشطتها، وتستغل الإخوان القوانين الأوروبية والأميركية وغيرها في هذا الصدد، فهي تنشئ شركات خاصة مرتبطة بأفراد قد يبدو من الظاهر أنهم ليسوا على صلة بالإخوان غير أنهم في الواقع مجرد واجهات تابعة للإخوان، وهذا يظهر عند متابعة أنشطتهم.
وبهذه الطريقة، تمكنت الكيانات المرتبطة بالإخوان في أستراليا والعاملة في صناعة الحلال في الإفلات من حملة أطلقها حزب أمة واحدة ومنظمات أسترالية أخرى اتهمت فيها هذه الكيانات بتمويل الإرهاب.
وتوجد في أستراليا 6 كيانات معنية بإصدار شهادة الحلال منها الاتحاد الأسترالي للمجالس الإسلامية AFIC ومجلس الأئمة الفيدرالي الأسترالي ANIC، وكلاهما لهما ارتباط بالإخوان كما أن بعض مسؤولي هذه الكيانات معروفون بأنهم كوادر إخوانية.
وحاول مواطنون إقناع مجلس الشيوخ الأسترالي بوجود هذه الصلة عبر خطابات وجهوها له، من قبل، قالوا فيها إن الشركات العاملة في تجارة الحلال مجرد واجهات احتيالية تستخدم لتمويل أنشطة تنظيم الإخوان وحركة حماس الفلسطينية وأن تلك الشركات تدعم أيديولوجيا انفصالية تضر بالمصالح الأسترالية.
ولاقت هذه الحملة انتشارًا واسعًا، لكنها لم تفضِ إلى اتخاذ إجراءات ضد المنظمات المرتبطة بالإخوان والعاملة في تجارة الحلال لأن التحقيق الذي أشرف عليه مجلس الشيوخ خلص، في تقريره النهائي الصادر في 115 صفحة، إلى عدم وجود روابط مباشرة بين المنظمات العاملة في تجارة الحلال وتنظيم الإخوان، رغم أن مسؤولين بالمؤسسات العاملة في بيزنس الحلال في أستراليا أقروا بتقديم تبرعات إلى كيانات معروفة بصلاتها بالإخوان مثل منظمة الإغاثة الإسلامية، وهو ما وثقه تدقيق حقائق أجرته هيئة الإذاعة الأسترالية ABC، لكنه لم يستطع إيجاد رابط مباشر بين تجارة الحلال وتمويل الإرهاب.
والحقيقة أن تنظيم الإخوان قد تحسب لاتخاذ خطوات شبيهة ضدها، وحين أنشأ شركاته العاملة في هذا المجال حرص على ألا يكون شركات عامة وبالتالي فليس عليها أن تُصدر إفصاحًا علنيًا عن أرباحها أو تبرعاتها، كما أن تلك الكيانات تقوم بالتبرع لرعاية أنشطة طلابية أو دعوية أو خدمية أو إغاثية مرتبطة بالإخوان، لكن بصورة غير مباشرة وبالتالي فإنها تنجو من إجراءات التدقيق في أنشطتها مع أنها تبقى في الحقيقة جزءًا من شبكة تمويل الإخوان ومصدرًا لا ينضب لتمويلها.