في توقيت بالغ الحساسية إقليميا، تعود إلى الواجهة محاولات أميركية لإعادة ترميم العلاقة المتصدعة بين القاهرة وتل أبيب عبر الدفع نحو قمة محتملة تجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
غير أن الطريق إلى هذا اللقاء، كما تكشف المعطيات، لا يبدو مفروشا بالورود، وسط اشتراطات أميركية، وتحفظ مصري واضح، وأزمة داخلية خانقة يعيشها نتنياهو سياسيا وقضائيا.
وبحسب ما نقله موقع "أكسيوس"، فإن واشنطن تشترط خطوات إسرائيلية مسبقة لتهيئة الأجواء، في مقدمتها إبرام صفقة الغاز مع مصر، بهدف خفض التصعيد وتعزيز فرص السلام.
غير أن فكرة اللقاء، وفق التسريبات، لا تقف عند حدود البروتوكول، بل تتجاوزها نحو إعادة هندسة المشهد الإقليمي اقتصاديا وسياسيا.
كوشنر والدبلوماسية الاقتصادية
المصدر ذاته كشف أن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، طالب نتنياهو بتطوير قدرات إسرائيل في مجال "الدبلوماسية الاقتصادية"، وإشراك القطاع الخاص في عملية السلام بالمنطقة، في محاولة لإعادة صياغة أدوات التأثير بعيدًا عن المسارات العسكرية التقليدية.
إلا أن مسؤولا أميركيًا أكد، في المقابل، أن الرئيس المصري أبدى فتورا واضحا حيال فكرة عقد لقاء مع نتنياهو، في مؤشر يعكس مدى التعقيد الذي يحيط بأي تقارب محتمل في الظرف الحالي.
وفي سياق التحركات الموازية، كشف "أكسيوس" أيضًا عن اجتماع ثلاثي جمع الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر في نيويورك بهدف "إعادة بناء وترميم العلاقات"، ما فتح باب التساؤلات بشأن إمكانية نجاح واشنطن في هندسة هذا اللقاء، وحدود ما يمكن أن يترتب عليه سياسيا وأمنيا.
إسرائيل ترى اللقاء مصلحة إقليمية
في قراءة إسرائيلية للمشهد، قال كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي يوحنان تسوريف، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، إن "إمكانية النجاح في هذا الموضوع أولية"، معتبرا أن هناك "مصلحة مشتركة لإسرائيل ومصر ودول عربية أخرى في تفكيك سلاح حماس داخل قطاع غزة".
ويرى تسوريف أن الرئيس الأميركي حين يدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى زيارة واشنطن، فإنه يتحرك انطلاقا من "هدف وحيد، وهو صناعة ائتلاف إقليمي لهذا الهدف"، في إشارة إلى تفكيك حماس.
ويضيف أن ذلك، في حال تحققه، سيجعل تطبيق بنود المرحلة الثانية أسهل، بما في ذلك إدخال السلطة الفلسطينية إلى المشهد وترتيبات أخرى لاحقة.
ويؤكد الباحث الإسرائيلي أن إسرائيل "بحاجة إلى مساعدة من الدول العربية والولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن الظروف الميدانية داخل غزة كانت تعرقل قدرتها على استخدام كامل ترسانتها العسكرية، قبل أن يعتبر أن "الآن حان وقت تفكيك حماس"، وهو الهدف الذي يراه "كبيرا لكل دولة تريد أن تقف في هذا الاتجاه".
مأزق الائتلاف الإسرائيلي
لكن تسوريف لا يغفل التعقيدات الداخلية داخل إسرائيل نفسها، ويقول بوضوح إن إسرائيل "لم تختر هذه الحرب"، وإنها شُنت من قبل حماس في ظل "حكومة إسرائيلية هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل".
ويضيف أن هذه الحكومة "لا تريد أي اتفاق مع حماس، ولا مع الطرف الفلسطيني، ولا مع السلطة الفلسطينية، ولا تعترف بأي سيادة فلسطينية في هذا المكان"، معتبرا أن هذا الموقف هو نتيجة مباشرة لطبيعة الائتلاف الحاكم الذي تشكل عقب انتخابات نهاية عام 2022.
ويرى الباحث الإسرائيلي أن مرحلة ما بعد الحرب "تطلب ترتيبات جديدة في المنطقة"، لكنه يطرح تساؤلا محوريا: "كيف نقنع وزراء إسرائيليين متطرفين لا يريدون أي شيء من هذا النوع؟"، مشيرا إلى أن الضغط الأميركي يبقى الأداة الأساسية القادرة على التأثير، إلى جانب أطراف عربية وغير عربية.
عقدة الملاحقة الدولية
وحول الحديث عن رفض مصري للجلوس مع نتنياهو باعتباره "مجرم حرب"، يرى تسوريف أن المحكمة الدولية "لم تتخذ إلى الآن قرارا بحق نتنياهو"، وبالتالي فإن الولايات المتحدة "ليست دولة تمنع دخوله”، مؤكّدا أنه يسمع هذا الطرح "لأول مرة"، وأنه "جديد بالنسبة له".
غير أن هذه القراءة تصطدم بالموقف المصري، كما يراه عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أحمد فؤاد أنور، الذي قدّم توصيفا مختلفا جذريا للمشهد.
"طوق نجاة" لنتنياهو
يعتبر أحمد فؤاد أنور أن الحديث عن لقاء محتمل "ليس سوى طوق نجاة يحاول نتنياهو التعلق به".
ويرى أن الترويج لهذا اللقاء يهدف أساسًا إلى "تسويقه أمام الرأي العام الإسرائيلي للضغط من أجل توقيع عفو بدون مقابل، ودون اعتزال السياسة"، معربا عن شكوكه في مصداقية الخبر من الأساس.
ويضيف أنور أن التسريبات – إن لم تكن محاولة إسرائيلية لتضليل الإعلام الغربي – فإن الهدف منها توجيه رسالة إلى الدول التي ترفض التعاون مع تل أبيب بأن "الدول العربية ما زالت تتواصل معنا"، في محاولة للعودة إلى ما قبل 6 أكتوبر، وهو ما يعتبره "أمرًا لا يستقيم".
الخوف من الاعتقال
ويذهب أنور إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن تحركات نتنياهو الخارجية "مقتصرة على المجر والأرجنتين"، مشيرا إلى أن الحديث عن زيارة لمصر "قد يكون نتنياهو نفسه خائفا منها، حتى لا يتم اعتقاله، لأنه ملاحق بالجنائيات الدولية".
ويستبعد أن يكون التلويح بمقابلة خارجية – سواء في مصر أو خارجها – مقابل صفقة الغاز، معتبرا أن "نصف الصفقة مملوك لأميركا، وأميركا تريد إتمامها، وإذا لم تتم فهناك تعويضات ستحصل عليها".
ويؤكد بشكل قاطع: "لا توجد صفقة، لا اقتصادية ولا ضغوط بالتشويه أو الابتزاز مقابل هذه القمة"، مضيفا أن المسار الوحيد الممكن لأي لقاء هو “حدوث تغيير حقيقي على الأرض، وإعادة بعض الحقوق للجانب الفلسطيني في القدس الشرقية".
موقع مصر في المعادلة
من زاوية أوسع، يشدد أنور على أن مصر "تم الاحتياج إليها كنموذج لاتفاقية السلام التي صمدت في مواجهة شطط إسرائيلي وأحداث جسام"، مؤكدا أن القاهرة "صاحبة دور محوري في ضبط الحدود، وراعية ووسيط محل ثقة يتمتع بخبرة تراكمية".
ويرى أن محاولات الضغط على مصر "مستمرة"، سواء عبر ملف الأنفاق، أو الحديث عن التهجير، أو التلميح بورقة سد النهضة، أو استخدام الأدوات الاقتصادية، إلا أن كل ذلك – بحسب تعبيره – "لن يجدي".
ويؤكد أن "الرأي العام المصري متماهٍ مع القيادة السياسية"، وموقفه "ضد الجرائم الإسرائيلية"، معتبرا أن مشروع التوسع وضم الأراضي "مكشوف منذ عقود".