استمرت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، الجمعة، في مدينة أم درمان، الضلع الثالث للعاصمة السودانية، وسط تقارير عن خسائر بشرية كبيرة.

ومنذ نحو 6 أشهر تشهد المدينة قتالا عنيفا أدى إلى فرار أكثر من 70 بالمئة من سكانها حسب بعض التقديرات، في ظل كر وفر وتبادل لمراكز السيطرة بين طرفي الحرب، مما يثير تساؤلات حول الأسباب التي تدفعهما للاستماته من أجل السيطرة على أم درمان.

وإضافة إلى كونها العاصمة الثقافية للسودان، تكمن الأهمية الاستراتيجية لمدينة أم درمان في أنها تشكل مدخلا مهما للعاصمة من الناحيتين الشمالية والغربية، كما تضم قاعدة كرري العسكرية وسلاح المهندسين والسلاح الطبي.

ووفقا للضابط المتقاعد في الجيش محمد سليمان، فإن أهمية أم درمان تكمن في أنها مدينة مفتوحة على مساحات جغرافية واسعة، مما يجعل منها عمقا استراتيجيا للبلاد.

ويوضح سليمان لموقع "سكاي نيوز عربية": "تمثل أم درمان نقطة فارقة بين النصر والهزيمة، فالطرف الذي يظفر بها بشكل كامل سيحسم الحرب وسيفرض إرادته سلما أم حربا".

خيار الحرب وفرص تحقيق السلام في السودان

الموقف الحالي

يتركز القتال بشكل كبير حاليا حول مقري قاعدة كرري في منطقة وادي سيدنا شمالي المدينة، وسلاح المهندسين في الجزء الجنوبي الغربي، ويسيطر عليهما الجيش حتى الآن.

وفي حين يسيطر الدعم السريع على عدد من منافذ أم درمان ونحو 55 بالمئة من أحيائها السكنية وطرقها الرئيسية، تقع بقية المناطق السكنية تحت سيطرة الجيش.

وبعد أيام قليلة من إعلان الجيش في فبراير استعادة السيطرة على المناطق المتاخمة لسلاح المهندسين، اشتدت حدة الاشتباكات في تلك المناطق وفي الأحياء القديمة من المدينة.

ودفعت قوات الدعم السريع خلال اليومين الماضيين حشودا كبيرة دخلت المدينة من غربها، وفقا لما أظهرته صور نشرتها منصات تابعة لها.

ونشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو تظهر مجموعات مقاتلة تابعة لها أمام إحدى البوابات الرئيسية لمقر سلاح المهندسين.

أخبار ذات صلة

السودان.. أكثر من 95 % لا يمكنهم تأمين وجبة كاملة يوميا
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء تقارير عن دعم إيران للجيش السوداني

كرري والمهندسين

يسعى الجيش للتمسك بسيطرته على قاعدة كرري وسلاح المهندسين، لكن الاحتدام الحالي في المعارك يشير إلى محاولات قوات الدعم السريع للسيطرة على المقرين.

وتضم قاعدة كرري عددا من المنشآت والوحدات العسكرية الحيوية، وتزايدت أهميتها أكثر في أعقاب فقدان الجيش السيطرة على القيادة العامة للقوات المسلحة منذ الأيام الأولى للحرب، وما أعقب ذلك من انتقال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وعدد من كبار مساعديه إلى مدينة بورتسودان على بعد نحو ألف كيلومتر إلى الشرق من الخرطوم، حيث تحولت القاعدة إلى مقر رئيسي لعمليات الجيش.

أما الاهتمام بسلاح المهندسين فيأتي من موقعه الجغرافي المتميز القريب من جسر الفتيحاب، أحد الجسور الرابطة بين مدينتي أم درمان والخرطوم، مما يسهل وصول الإمدادات إلى منطقة القيادة العامة في شرق الخرطوم، كما تحيط به أحياء ذات أهمية تاريخية كبيرة.

ويعتبر سلاح المهندسين واحدا من أهم أسلحة الدعم بالنسبة للجيش، ويتميز بموقع جغرافي مؤثر جدا من الناحية العملياتية.

ورغم أنه ليس من الأسلحة القتالية المباشرة، فإن سقوطه يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على مدينة أم درمان، وخصوصا قاعدة كرري.

وإضافة إلى الأهمية الجغرافية، يقدم سلاح المهندسين الدعم الفني واللوجستي للقوات المقاتلة، ويساعدها في فتح الطرق والجسور المؤدية إلى مناطق العمليات، كما يساعد أيضا في عمليات عزل القوات المنافسة من خلال تعطيل الطرق والجسور.

ولسلاح المهندسين مهام كبيرة في أوقات السلم، مثل إنشاء الطرق والجسور والمشاركة في عمليات الدفاع المدني ونزع الألغام.

عودة تدريجية للإنترنت والاتصالات في السودان

استراتيجية الجسور

يعتبر مراقبون أن واحدا من الأسباب التي تؤجج القتال في أم درمان، السعي لإحكام السيطرة على الجسور التي تربط المدينة بالخرطوم والخرطوم بحري، لما يشكله ذلك من أهمية استراتيجية في تأمين الإمدادات.

وترتبط أم درمان ببقية أنحاء العاصمة بـ4 جسور، خرج أحدها عن الخدمة وهو جسر شمبات على نهر النيل بعد تعرضه لدمار كبير في أكتوبر الماضي.

ورغم الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول مسؤولية تدميره، فإن الجسر كان المنفذ الرئيسي لإمدادات قوات الدعم السريع التي تقاتل في أم درمان.

وفي حين يسيطر الجيش بشكل كامل على جسري الفتيحاب القريب من سلاح المهندسين والنيل الأبيض المؤدي إلى مستشفى السلاح الطبي، يتقاسم الطرفان السيطرة على الجسر الرابع وهو جسر الحلفايا، حيث تتحكم قوات الدعم السريع على المدخل الشرقي للجسر من ناحية الخرطوم بحري، بينما يسيطر الجيش على الناحية الغربية منه في أم درمان.

ودخل جسر خامس استراتيجية حرب السيطرة على الجسور وهو جبل أولياء، الذي يمكن أن تدخل منه الإمدادات إلى أم درمان من الناحية الجنوبية الغربية، وكان ذلك من الأسباب التي دفعت قوات الدعم السريع للسيطرة عليه بعد 5 أشهر من اندلاع الحرب.

وفي حين ساعدت السيطرة على الجسر قوات الدعم السريع في التقدم نحو عدد من مناطق ولاية النيل الأبيض، فإن وصول الإمدادات إلى أم درمان كان هدفا رئيسيا من تلك السيطرة.

السودان.. حرب بنكهة خارجية