يعد الوشم في تونس عادة يرى كثيرون وجوب العودة إلى إحيائها لدى الشباب؛ نظرا لأهميتِها في تأصيل الهوية التونسية القديمة والتقليدية.

في المقابل، تتسعُ دائرة الراغبين في رسم وشوم عصريةٍ على أجسادِهم باتباع آخِرِ صيحاتِ الموضة، وأحدثِ الرُّسوماتِ للتعبيرِ عَنِ التحررِ الفردي، وكسرِ النظرة المتحظة للجسد.

ولدى البحث في تاريخ التونسيين، قبل حتى أن تتحول قرطاج إلى امبراطورية شاسعة في البحر الأبيض المتوسط، تكشف أخبار الأمازيغ القدامى الذين سكنوا تونس ستأتينا أن رسوما طبعت أجسامهم وكانوا يطلقون عليها "تكاز".

وتعمل منال مهدواني، وهي متخصصة في رسم الوشوم الأمازيغية والقديمة، على البحث المستمر في أشكال الوشوم لدى الأمازيغ القدامى.

وتسعى منال لأن تبين الغرض من تلك الرسوم الكثيفة ذات الألوان الزرقاء والخضراء على أجسام الأجداد خاصة النساءَ منهم.

تقول منال "أنا فنانة في الوشم وبدأت أتخصص في الوشم الأمازيغي سنة 2015، تحدثت إلى النساء الكبار في السن للتعرف إلى هذه الرموز التي فقدت ولم يعد أحد يعرف معانيها ووظيفتها. حيث كان الوشم للمداواة والحماية وتدوين حياتهم اليومية، كالنسيج والفلاحة وغيرها".

لم يكن اختيار منال لأشكال ورسوم الأمازيغ القدامى عشوائيا، بل إن الحاجة الآن في نظرها ـ لاستحضار مصادر متجذرة للذات التونسية وإحيائها مرة أخرى لدى الشباب مسألةٌ حياة، تضاهي حاجيات الحياة الأخرى.

وتقول أروى جلالي، وهي زبونة من زبائن محلات الوشم، "أول وشم قمت به في حياتي، كان في سنة الثامنة عشر. كان يحدثنا كثيرا عن الأشياء القديمة وكيف كان أجدادهم رحلا ويضعني وسط كبار السن لأرى وشومهم، جدتي لها خمسة جميلة في ساقها، أتذكر مرة أن أبي قالها بوضوح أن ابنتي تحب الوشم. وعندما رأيت ذلك الوشم لدى جدتي مسني ذلك. الوشم يزيد من زينة المرأة كثيرا".

ويتخذ الوشم بعدا جماليا لدى الأمازيغ عموما، خاصة النسوة منهم. ولكل وشم علامة ورسالة خاصة يبعث بها.

تعتبر مثلا علامة زائد (+) إحدى أشهر الرسومات، وتعني حرف تاء في الحروف الأمازيغية، وهي تشير إلى كلمة "تامطوت" التي تعني المرأة الجميلة.

وأحيانا نجد نقطة بجانب الأنف ظنا من تلك الشعوب أن ذلك يحمي من أمراض الأسنان. بينما مارس الأمازيغ الوشم لأسباب طبية، إذ اعتقد سكان تونس القدامى أن الوشم له دور في الشفاء من بعض الأمراض، ويزيد خصوبة المرأة ويدفع الحسد والعين ويحمي من الأوبئة.

يقول عبد الستار عمامو، وهو مختص في التاريخ اللامادي التونسي في حديثه لسكاي نيوز عربية، الوشم هو ظاهرة حضارية وموجودة في العديد من الحضارات في العالم ككل والعالم القديمة أساسا. وارتبط الوشم في كل حضارة بمعاني تفيد الانتماء إلى القبيلة أو عشيرة أو بلد أو وطن، وكان هذا منذ القديم.

وأضاف "طبعا، الوشم موجود لدى النساء كما الرجال، في جميع أنحاء الدنيا. ثم تطور الوشام ونعرف جيدا مثلا أن العرب أيام الجاهلية كان لهم بعض القبائل التي توشم لإظهار الانتماء إلى قبائلهم. أما في شمال إفريقيا".

وأضاف "عرفنا الوشام في زمن بعيد، منذ الأمازيغ وهم أجدادنا الأولون سكان البلاد الأصليين، كانوا يقومون بالوشم، للدلالة على الانتماء سواء إلى القبيلة أو الانتماء الطبقي، إن كان من عائلة كبيرة أو أرستقراطية ويتساوى فيه النساء والرجال على حد السواء، ورغم تعاقب القرون، بقي هذا موروث الوشم متجددا ليصل إلى أجيال اليوم".

أخبار ذات صلة

تونس.. جهود لإعادة إحياء الموروث الثقافي للأمازيغ
"الأيل الأسمر" يعزز السياحة البيئية في تونس