قبل نحو عام تقريبا، أخبرني الطبيب أنني لن أعيش لأكثر من 6 أشهر، عندما تم تشخيص مرضي (سرطان الكبد)، انقلبت حياتي رأسا على عقب. بتلك الكلمات تحدث إلينا الشاب الجزائري محمد لمين عيادي (33 سنة)، الذي يعمل اليوم في صفوف الدفاع المدني الجزائري "الحماية المدنية".

يقول محمد لمين لموقع "سكاي نيوز عربية": "رحلة العلاج من مرض السرطان شحذت عزيمتي أكثر للمشاركة في أي فرصة تتاح لي لمساعدة الناس على الحياة".

"سأموت حسرة"

بدأت مغامرة محمد لمين مع الدفاع المدني قبل نحو 10 سنوات كمتطوع، غير أن معاناته مع المرض الخبيث ودوامة العلاج الكيميائي، أدخلته في حالة من اليأس والإحباط والعزلة عن العالم لعدة أشهر.

اليوم وبعد أن تمكن من تجاوز مرحلة الخطر بفضل بعض الأصدقاء، قرر محمد لمين، أن لا يفوت أي فرصة تتاح له لإنقاذ روح أي إنسان كان على وجه الأرض، رغم أنه ما يزال يواصل علاجه إلى يومنا هذا.

وسافر محمد إلى سوريا للمشاركة في إنقاذ ضحايا الزلزال، الذي هز البلاد قبل أيام وخلف خسائر بشرية ومادية كبيرة.

بدأت مغامرة محمد لمين مع الدفاع المدني قبل نحو 10 سنوات

ويحكي عن بداية التجربة: "في البداية رفضت رئيسة الهلال طلبي، لأنني مريض ولكنها وافقت في الأخير عندما قلت لها: إذا لم أسافر سأموت حسرة".

وبالفعل تمكن عون الحماية من الحصول على تصريح للسفر ليكون ضمن فصيل "البحث والإنقاذ"، الذي كان في الصفوف الأولى لانتشال الضحايا والأشلاء.

وتكون الفريق الجزائري من 5 فصائل وهي: فصيل البحث والإنقاذ، فصيل الأخصائيين النفسين، فصيل المتطوعين، فصيل الوجستيك، فصيل الأمن والتدخل.

7 أيام في حلب

عاد لمين مؤخرا من رحلة وصفها بـ"الاستثنائية" في مساره المهني، بعد أن شارك في مهمة إنقاذ أرواح ضحايا الزلزال في سوريا.

يتذكر محمد لمين أبسط تفاصيل الرحلة، التي دامت 7 أيام إلى سوريا، انطلاقا من مطار الجزائر وصولا إلى مطار دمشق، تلك المدينة التي لم يكن يوما يتوقع أن يزورها في مثل هذه الظروف.

فبمجرد أن حطت الطائرة على أرضية مطار دمشق حتى بدأ يكتشف حجم معاناة بلد، لم يكن يسمع عنه إلا أخبار الدم والحرب والرصاص طيلة 10 سنوات كاملة.

يقول محمد لمين: "لقد تأثرت كثيرا وأنا أشاهد المباني التي لا تزال شاهدة على الحرب، ونحن في طريقنا في رحلة البحث عن ناجين تحت ردوم الزلزال".

ويسرد لحظات وصوله إلى حي المشارقة بسوريا، الذي تعرض للزلزال الكبير، بالقول: "وجدنا أن العديد من المباني هدمت، أو أصبحت مهددة بالسقوط بسبب قوة الزلزال الذي ضربها".

وأضاف: "عملية البحث عن ناجين لم تكن سهلة على الإطلاق، نظرا لتواجد المنطقة بالقرب من نهر وتسرب المياه إلى المباني ومحيط المردوم.. لقد كانت البنيات هشة بسبب المياه وهو ما تسبب في سقوطها".

أخبار ذات صلة

هزة أرضية على الحدود التركية - السورية شعر بها سكان لبنان
الزلزال الكبير.. عدد الوفيات يتجاوز 50 ألف قتيل

.. وفرحة إنقاذ أول روح

في حي المشارقة بحلب سوريا، تمكن محمد لمين ورفاقه بمساعدة أعوان الدفاع المدني السوري من إخراج 27 ضحية منهم طفلة ورجل على قيد الحياة.

ولا تزال صرخات تلك الطفلة السورية التي تبلغ من العمر 5 سنوات،تدوي في أذنه إلى غاية الآن وهي تخاطب المنقذين"عمو عمو"، دون أن تفهم ماذا حدث بالضبط.

يقول محمد لمين: "قبل أن نتمكن من إنقاذ هذه الطفلة كنا قد وصلنا إلى مرحلة اليأس، بعد أن حفرنا لأكثر من 4 أمتار تحت الأنقاض، حيث ردمت الطفلة لكن إرادة الله منحتها الحياة".

وتبقى صورة ذلك الرجل الذي يبلغ من العمر 55 والذي تم إنقاذه بعد أكثر من 20 ساعة من تواجده تحت المردوم، إلى جانب زوجته التي فارقت الحياة، واحدة من أصعب اللحظات التي يذكرها محمد لمين بحسرة شديدة. تحت الأنقاض، عثروا أيضا على جثة أم كانت تحتضن أبناءها.

تحدى السرطان لإنقاذ ضحايا الزلزال

يقول محمد لمين: "الحالة لا توصف، كنا ننتشل أياديا ممزقة، وأحيانا رؤوسا محشورة وسط الحجارة، وأشلاء، وسط رائحة الجثث التي كانت تفوح في كل مكان".

وبعد 7 أيام، عاش فيها محمد لمين ورفاقه، لحظات إنسانية صعبة، وسط البرد والتعب والدموع والفرح، عادوا إلى الجزائر بذكريات، يبدو أنها لن تمحى من أذهانهم أبداً.