يطور فريق من العلماء المغاربة تقنيات متطورة للتصدي لآثار الجفاف والتغيرات المناخية، عن طريق الاعتماد على تكنولوجيا حديثة تسعى إلى الانتقال من زراعة تقليدية إلى أساليب جديدة مقاومة للاحترار والأمراض الفتاكة التي تتربص بأنواع من الزراعات.

من الباذنجان إلى القمح والذرة، يطلق باحثون مغاربة بمدينة الناظور الواقعة بالساحل الشمالي للمغرب، على مبادرات تتلقف آخر صيحات التكنولوجيا والبحث العلمي لتوظفها في تطوير زراعات لا تخشى التغيرات المناخية.

تكنولوجيا الفرز الجيني

الدكتور كمال أبركاني، درس بجامعة "لافال" بكندا، وتخصص في الهندسة الزراعية، حمل هم التغير المناخي والاحترار وشح المياه منذ بداية مشواره العلمي.

بعد عودته إلى المغرب وشروعه في التدريس، بالكلية متعددة التخصصات، بجامعة محمد الأول بالناظور شمالي المغرب، انكب على إيجاد حلول فعّالة لما أصبح يؤرق العلماء والباحثين، وهو ضمان الأمن الغذائي الذي تأثر بالتغيرات المناخية.

وضع الخبير نصب عينيه هدفا طالما حلم بتحقيقه، وهو إحداث ثورة في مجال الزراعة في المغرب، لا سيما بعد تعاقب سنوات الجفاف التي أصبحت مُضنية ومصدرا للقلق.

يعتمد أبركاني، في المبادرات التي يشرف عليها، والمشاريع التي يؤطرها برفقة شركاء من إفريقيا ودول المتوسط، على تكنولوجيا الفرز الجيني التي تسعى إلى مقاومة شح المياه، متفادياً اللجوء إلى التعديل الجيني.

في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أوضح أبركاني أن تقنية الفرز الجيني تتجلى في دراسة النباتات المقاوِمة للجفاف والأمراض، عن طريق أخد خصائصها، لتثبيبتها في النباتات الضعيفة، التي لا تمتلك نفس الخصائص. وكشف أن هذه التكنولوجيا الزراعية تتطلب سنوات من التطوير، قد تبلغ عشرة أعوام، للحصول على بذور مقاوِمة.

الغذاء العالمي في خطر.. والزراعة هي الحل

 

بذور محلية مقاوِمة

أكد الأستاذ أبركاني، المتخصص في العلوم الزراعية والفيزيولوجيا النباتية، والهندسة الزراعية، أن المغرب يسعى حاليا إلى تطوير بذور مقاومة لا تستهلك كميات كبيرة من المياه، لافتاً إلى ضرورة الاستثمار، التي أضحت مُلحة، في تطوير بذور محلية عِوض استيرادها المُكلف.

وأبرز أبركاني أنه، في إطار مشاريعه العلمية، يقوم حاليا بتجريب مجموعة من البذور المستوردة من إيطاليا وتركيا، من بينها بذور باذنجان مقاومة للجفاف، إذ يتم تعريض البذور قيد الاختبار، إلى نوع من الإجهاد المائي، لتمحيصها ودراسة مدى تحملها لشح المياه.

وأوضح الباحث المغربي، المشرف على المشروع، أن البرنامج الذي بدأ الاشتغال عليه منذ سنتين، هو محور شراكة بين المغرب والاتحاد الأوربي وإفريقيا ودول تنتمي إلى حوض الأبيض المتوسط.

ولفت في معرض حديثه، إلى أن البداية كانت ببذور الباذنجان حيث يتم إجراء التجارب على 40 صنفا من هذا النوع من الخضار، في أفق تعميم التجارب على أنواع أخرى من الخضار والحبوب.

الرقمنة في خدمة الزراعة

في سياق ذي صلة، أبرز الدكتور كمال أبركاني، أن إدخال الرقمنة على الزراعة أصبح أحد الحلول التي لا محيد عنها لمواجهة الجفاف.

وكشف أنه من ضمن المشاريع التي يشتغل عليها مع طلابه، وضع مجسات ذات حساسية عالية، لمراقبة وصول المياه إلى جذور النباتات. وكشف أن هذه التقنية التي يمكن مراقبتها عن بعد عبر نظام معلوماتي متطور، تمكن من تحديد أولويات الري وتوجيهه حسب متطلبات الشتلات المزروعة.

وأضاف في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أنه يجب توجيه الفلاحين المغاربة، ومعظمهم تقليديون، إلى الاشتغال بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حتى يتسنى لهم مراقبة ري نباتاتهم بدقة عالية، عوض الري غير المعقلن.

كما لفت إلى أهمية إدخال طرق جديدة، كالزرع المباشر الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الأقمار الصناعية، وكذا تغيير مواعيد زرع الحبوب على سبيل المثال، وعدم الارتباط بفصول محددة، تماشيا مع تأخر مواسم الأمطار، التي أصبحت غير منتظمة.

وفي ختام حديثه، دعا أبركاني إلى ضرورة وضع ترشيد المياه ضمن السياسات العمومية، وكذا مواكبة الفلاحين الصغار وتوعيتهم بأهمية إدخال التكنولوجيا في الفلاحة، باعتبارها صمام أمان، يعينهم على تجويد زراعاتهم والتصدي للتغيرات المناخية، بما يضمن حصولهم على مزروعات جيدة تحقق الاكتفاء الغذائي للمغرب.

أخبار ذات صلة

تحركات عاجلة في دول مغاربية لأجل احتواء "أزمة الماء"
بعد سنوات عجاف.. أمطار غزيرة تنعش الزراعة والسدود في المغرب