تحتفي مدينة مرسيليا الفرنسية حاليا بتاريخ الأمير عبد القادر الجزائري، عبر معرض خاص هو الأول من نوعه الذي ينظمه متحف الحضارات الأوروبية والبحر متوسطية.

وبهدف تسليط الضوء على تاريخ مؤسس الدولة الجزائرية المعاصرة، جمع الباحثون الفرنسيون أكثر من 250 وثيقة ومخطوطة نادرة وصور ولوحات فنية، منها التي تعرض لأول مرة على الجمهور.

ولفك شفرة تاريخ الأمير عبد القادر، اشتغل الباحثون على المواد الأرشيفية لمدة عامين.

ويرى المؤرخ مدير متحف الحضارات الأوروبية والبحر متوسطية جون فرانسوا شوغنيت، أن الاهتمام بشخصية الأمير عبد القادر "واجب إنساني".

وقال شوغنيت لموقع "سكاي نيوز عربية": "كل واحد فينا يحمل صورة مختلفة للأمير، بالنسبة لنا هو شخصية فضولية أراد التعرف على العديد من الأمور التي تدور في العالم، وقد وسع اطلاعه ومعارفه الفكرية وكان منفتحا على جميع الثقافات والأديان".

الأسئلة الشائكة

وركز المعرض على المناطق المثيرة للجدل في تاريخ الأمير عبد القادر، وأبرزها على الإطلاق توقيعه على معاهدة لاموريسير في 23 ديسمبر 1847، التي غادر على أثرها الأمير الجزائر مستسلما.

الجزائر.. إحياء الذكرى 77 لمقتل أكثر من 45 ألف مواطن

ولم يعد الأمير إلى الجزائر أبدا إلى أن نقل جثمانه من دمشق إليها عام 1966، ليدفن في مقبرة العالية وسط الزعماء التاريخيين الجزائريين.

وتطرق الباحثون للحديث عن علاقة الأمير بالماسونية ومناقشته لنصوص الإنجيل بهدف فهم الدين المسيحي، مع التركيز على رحلته إلى باريس، وهي أمور لا تزال تثير الكثير من الجدل في الجزائر.

في هذا الصدد، أوضحت كبيرة أمناء المعرض رئيسة قسم فنون الغرافيك والزخرفة بمتحف فابر في مونبيلييه، الباحثة الفرنسية فلورنس هوروفيتش، أن الأمير عبد القادر قاوم الاستعمار لمدة 15 عاما من (1830-1847)، لكنه وجد نفسه في الأخير محاصرا وسط أكثر من 100 ألف جندي فرنسي.

وقالت لموقع "سكاي نيوز عربية": "الأمير شخصية عظيمة. حاولنا تقديم شرح بالوثائق التاريخية النادرة من دون إصدار أحكام مسبقة".

وبحسب الوثائق المعروضة، يبدو أن الأمير ربطته علاقة مباشرة مع الماسونية، حيث وقع عدة رسائل وبرقيات كما حضر المحافل الماسونية، لكن من دون تقديم دليل بخصوص الجدل القائم حول ممارسته للطقوس الماسونية.

من الحرب إلى التصوف

وبعد 5 سنوات في المنفى القصري بفرنسا و15 عاما من المقاومة، انتقل الأمير عبد القادر من كونه رجل حرب إلى رجل فكر وسلام وفلسفة روحية، وهو ما مكنه من لعب عدة أدوار إنسانية واقتصادية على غرار مساهمته في بناء قناة السويس التي وضع مخططها المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، وكاعتراف بالدور الذي لعبه تمت دعوته لحضور حفل تشغيل القناة لأول مرة عام 1869.

وفي هذا الصدد قالت أمينة التراث بالمتحف الباحثة الفرنسية كميل فوكورت: "نستطيع القول إنه لولا الأمير عبد القادر لما كان من الممكن بناء قناة السويس".

أخبار ذات صلة

في ذكرى "عيد النصر".. تبون يوجه رسالة لفرنسا
الجزائريون والمغاربة يتصدرون قائمة السجناء الأجانب في فرنسا

فحسب الوثائق التاريخية، لعب الأمير دورا كبيرا في إقناع الحاكم السابق لمصر الخديوي إسماعيل بأهمية بناء القناة لتكون رابطا اقتصاديا وثقافيا بين الجنوب والشمال والشرق والغرب.

وقالت فوكورت لموقع "سكاي نيوز عربية": "حظي الأمير بتقدير كبير من قبل كبار الشخصيات العالمية، منهم بابا الفاتيكان وملك روسيا وغيرهم من الشخصيات التي كرمت الأمير بالنياشين لجهوده الإنسانية، وأبرزها على الإطلاق حمايته لأكثر من 1300 مسيحي عام 1860 عندما اندلعت الحرب الأهلية بين مسيحيي الشام والدروز".

وفي هذا الصدد أكد الباحث الجزائري المتخصص في تاريخ الأمير عبد القادر المؤرخ أحمد بويردن، أن العديد من الشخصيات التاريخية، منها الكاتب فيكتور هيغو، سعوا للقاء الأمير عندما كان في منفاه بقصر أمبواز، واستمر احترام العالم له إلى يومنا هذا.

معضلة الفيلم

وفي خضم هذا الكم من المواد الأرشيفية، عاد المتخصصون للحديث عن التحديات التي لا تزال تقف أمام إنجاز الجزائر لفيلم يحكي تاريخ الأمير عبد القادر.

واقترح المخرج الجزائري سالم الإبراهيمي الذي أخرج فيلما وثائقيا عن تاريخ الأمير عام 2011 من إنتاج وزارة الثقافة الجزائريةَ، إنجاز سلسلة تلفزيونية عنه بدلا من التركيز على فيلم روائي طويل.

وقال الإبراهيمي: "سرد تاريخ الأمير في فيلم روائي طويل ليست مهمة سهلة بالنظر للكم الهائل من المعلومات والقصص التي ارتبطت بالأمير".

وجاء هذا النقاش في الوقت الذي لا تزال فيه الجزائر تحاول إنجاز فيلم كبير عن حياة الأمير، وذلك بعدما خاضت محاولة مع المخرج الأمريكي شارل برانت عام 2013، لكنها باءت بالفشل بسبب الخلافات حول السيناريو المقترح.