مع تزايد سوء الأوضاع المعيشية في مخيمات سوريا والعراق، تتجدد المطالب الدولية بشأن أهمية استعادة الدول أطفال تنظيم " داعش" الإرهابي الذين ينتمون لها ومازالوا باقين في تلك المخيمات.

وحذرت منظمة العفو الدولية من طبيعة الظروف التي يعيشها أطفال داعش في مخيم الهول الواقع شمال شرقي سوريا، مطالبة بضرورة إعادة 27 ألف طفل على الأقل ينتمون لعائلات تابعة للتنظيم من دول سوريا والعراق وأكثر من 60 دولة أخرى.

وأشارت المنظمة إلى أن هؤلاء الأطفال يعانون من ظروف مروعة ومميتة وغير إنسانية داخل المخيمات، لاسيما وأنهم محرومون منذ سنوات بشكل تعسفي من الحرية لفرض قيود على حركاتهم داخل المخيم مع تدني مستوى سبل العيش

وأبدت المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، لين معلوف، تخوفها من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى هؤلاء الأطفال المتواجدين في مراكز إعادة التأهيل الملحقة بالمخيمات، مشددة على أهمية العودة إلى أوطانهم باعتبارها الفرصة الأخيرة لمغادرة المخيم.

ومؤخرا رصدت منظمات دولية ظاهرة وفاة الأطفال داخل مخيم الهول لأسباب عديدة من بينها جرائم قتل، حيث سجل العام الجاري وفاة 62 طفلا بمعدل طفلين كل أسبوع داخل المخيم.

وعلى مدار الأشهر الماضية، استعادة فرنسا نحو 35 طفلا من أصل 320 يتواجدون في مخيمات سوريا، بينما أعادت بريطانيا 4 من بين 60 طفلا، واستقبلت ألمانيا والدنمارك حوالي 36 طفلا مع أمهاتهم إضافة إلى تسليم 38 طفلا إلى أذربيجان و79 طفلا إلى قرغيزستان من معسكرات العراق عقب نداءات أممية للدول المعنية لإعادة رعاياها دون تأخير.

حين تنجو الطفولة من ظلام المخيمات

كيف تصبح العودة؟

رغم تسريع وتيرة استعادة بعض الدول لأعداد من أطفال داعش، إلا أن الملف يظل معضلة أمام حكومات تلك الدول والمجتمع الدولي منذ ما يقرب من 3 أعوام، لغياب التشريعات الدولية المنظمة لعملية استقبال عوائل داعش وفي مقدمتهم الأطفال.

ويرى مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، جاسم محمد، أن مهمة عودة هؤلاء الأطفال من المخيمات إلى ديارهم مهمة " غير سهلة" يتخللها الكثير من التحديات، خاصة وأن هؤلاء الأطفال يعيشون منذ عام 2014 تحت كنف ما يسم بـ " خلافة داعش" وحتى بعد انتقالهم إلى المخيمات بعد إعلان هزيمة التنظيم في العراق وسوريا يعيشون في ظروف قاسية تفتقد أبسط القواعد الأساسية للعيش ما يزيد معاناتهم وصعوبة عودتهم.

وكان داعش أكثر التنظيمات تجنيدا للأطفال، بافتتاح مدارس ومعسكرات تدريبة بالعراق وسوريا لتعليمهم طرق استخدام السلاح والخضوع لتدريبات قتالية للمشاركة في المعارك، إضافة إلى إعداد مناهج دراسية لزرع العنف وأفكار التطرف في عقولهم واستغلالهم في جمع المعلومات، الأمر الذي يزيد مخاوف الدول الأوروبية من استعادة أطفال داعش.

ووفقا لتقديرات أممية يعيش في مخيمين الهول وروج نحو 40 ألف طفل منحدر من 60 دول أجنبية مختلفة وأغلبهم تحت سن الـ 12 عاما من بينهم 20 ألف طفل من أصول عراقية ويظل في معسكرات وسجون العراق حوالي 12 ألف طفل من عائلات داعش.

مخاطر الرحلة

فيما يتعلق بالتحديات التي تهدد عودة أطفال داعش إلى بلدانهم، يوضح جاسم محمد أن المخاطر تتعلق بأن هؤلاء الأطفال وعائلاتهم مازالوا يمثلوا هاجس لأوطانهم الأصلية خاصة في المدن السورية والعراقية حيث معاقل التنظيم القديمة، مشيرا إلى أن طبيعة المجتمعات قبائلية وعشائرية في تلك المناطق حيث تدفق منها مقاتلون داعش.

ويضيف " تتضاعف المخاوف في المناطق الغربية بالعراق ذات الطابع القبلي وصحراء البادية السورية ومناطق شمال وشرق سوريا أيضا".

وعلى الجانب الآخر تتولد مخاوف لدى الأطفال العائدين من تعرضهم لعمليات ثأر وانتقام من قبل أهالي ضحايا داعش، ما يجعله تحد أمام الحكومات لتفادي عواقب إعادة أطفال التنظيم ودمجهم من جديد في المجتمع من ناحية، وتحد نفسي واجتماعي أمام هؤلاء الضحايا الصغار من ناحية أخرى، بحسب مدير المركز الأوروبي.

سبل التصدي

وتسعى الأمم المتحدة إلى وضع أسس عالمية لعملية عودة أطفال داعش إلى أوطانهم، عبر طرح مبادرة أممية، سبتمبر الماضي، تضمن تقديم دعم مالي وتقني متكاملة لتلبية الاحتياجات الحقوقية والإنسانية للعائدين من معسكرات ومخيمات العراق وسوريا والاستجابة السريعة للمخاوف الأمنية والعدلية بطريقة تناسب كافة أعمار الأطفال العائدين، إضافة إلى معالجة وضع الباقين في المخيمات بشكل يضمن استعادة الدول لهم.

وعن طرق التصدي لمخاطر مرحلة إعادة الأطفال، يشير محمد إلى أن النموذج الأوروبي في التعامل مع العائدين الصغار الذين ينتموا لعائلات داعش هو النموذج الأفضل حتى الآن، حيث يجب الفصل بين العائدين المتورطين في عمليات إرهابية لاسيما وأن داعش اتقن تجنيد الأطفال واستغلهم في تنفيذ عمليات انتحارية، والعائدين غير المتورطين في جرائم إرهابية.

ويشدد على أهمية تقديم الدعم النفسي للأطفال فهم ضحايا لداعش ويجب عدم أخذهم بجريرة آبائهم الذين ارتكبوا جرائم حرب، مشيرا إلى دور البرامج والتطبيقات التأهيلية لإعادة دمج الصغار في المجتمعات من جديد بمشاركة المجتمع المدني ورجال الدين والإعلام لتخطي عقبة تشكيل أجيال جديد من التنظيمات الإرهابية.