خلال كلمة ألقاها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أثناء افتتاح أول ندوة لرؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية في قصر الأمم، اعتبر أن انعقاد القمة العربية القادمة في بلاده "فرصة لإصلاح جامعة الدول".

وأوضح الرئيس الجزائري أن القمة المقرر انعقادها في مارس المقبل ستبحث إصلاح الجامعة العربية بما يتماشى ورؤيتنا للعمل العربي المشترك.

تقليص حدة الخلافات

ويؤكد الخبراء أن الجامعة العربية حملت على مدار 70 عاما (تأسست في 22 مارس 1954)، العديد من مشاريع الإصلاح التي كانت تصطدم دائما بالعراقيل والصعوبات.

ويلاحظ الدبلوماسي الجزائري مصطفى زغلاش كغيره من الدبلوماسيين الذين عملوا داخل أسوار الجامعة، أن هناك الأهداف التي حققتها الجامعة تبقى بسيطة رغم وجود نوايا الإصلاح المعلنة دائماً.

وقال زغلاش لموقع "سكاي نيوز عربية" أن عمل الجامعة ظل مرهون بأمرين أساسين، ويتعلق الأمر الأول بالقضايا الكبرى التي لا يوجد حولها خلاف حقيقي عميق، كالقضية الفلسطينية وعلاقة الدول العربية بالدول الإفريقية ومسألة محاربة التنظيمات الإرهابية بمختلف ألوانها.

أما الرهان الثاني فهو يتعلق حسب المستشار السابق للجزائر في جامعة الدول العربية بتقليص حدة الخلافات أو إبقاءها على حالها عند موعد انعقاد القمة بالنظر للدولة التي تحتضن القمة.

ويأتي موعد عقد قمة الجزائر التي طال انتظارها بعدما كانت مبرمجة في 31 أكتوبر 2020، هذه المرة في وقت حساس جداً تمر به العلاقات بين الدول العربية خاصة بين الجزائر والمغرب، ويأمل زغلاش ألا تأثر التوترات على سير القمة، لكنه في ذات الوقت لا يرى معجزة ستتحقق خلال قمة الجزائر.

أخبار ذات صلة

عبد الله بن زايد.. أول مسؤول إماراتي بارز في دمشق منذ عقد
وفد من الجامعة العربية يلتقي حمدوك ويشدد على الحوار

وتعتبر هذه المرة الرابعة التي تحتضن فيها الجزائر أشغال القمة العربية، حيث احتضنها لأول عام 1973، ثم عام 1988 وأخيراً عام 2005 وهي القمة التي تزامنت مع تخليد الذكرى الـ60 لتأسيس الجامعة.

القرارات بدلا من الشجب والتنديد

من جهته، يرى السفير الجزائري الأسبق كمال بوشامة أن الخلافات وتباين المصالح بين الدول العربية هي أكبر أزمة عانت منها جامعة الدول العربية، في وقت كان من المفروض أن تكون محطة للدفاع عن حقوق المواطن العربي.

وحسب بوشامة فإن هناك مساعي حميدة تحاول منح الجامعة دورا حقيقياً أكبر خارج نص الخطابات الحماسية التي ظلت تشكل مخرجات القمم العربية.

وقال بوشامة لموقع "سكاي نيوز عربية": "لقد حان الوقت لتجسيد مشاعر الأخوة والتعاضد في شكل قرارات جادة بعيدا عن لغة الشجب والتنديد".

وأكد بوشامة أن إصلاح جامعة الدول العربية هو أمر ممكن وغير مستحيل، ويحتاج أولا إلى تشبيب الكفاءات وإحداث إصلاحات عميقة داخل المؤسسة وتغيير النظام الداخلي والقوانين التنظيمية.

وحسب مصادر مطلعة فإن عقد القمة العربية في الجزائر آخذ بعين الاعتبار عودة سوريا عبر الباب الرئيسي لجامعة الدول العربية كأحد الشروط الأساسية لعقد قمة جامعة، وهذا في إطار مسعى الجزائر لإصلاح الجامعة العربية.

وقد سبق وأن تحدث وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في الأمر قائلا إن جلوس سوريا على مقعدها في الجامعة العربية سيكون خطوة متقدمة في عملية لم الشمل وتجاوز الصعوبات الداخلية.

وأكد السفير الجزائري الأسبق أمين خربي على أن مشروع الجزائر لإصلاح الجامعة يركز على المبادئ الكبرى، حيث تشتهر الجزائر بإخلاصها لتحالفاتها التاريخية.

وقال خربي لموقع "سكاي نيوز عربية": "الجزائر حريصة على منح العالم العربي عتبة جديدة لبناء أمن قومي عربي، وهي تتمتع بهالة خاصة على الساحة الدولية اليوم، بالنسبة لسياستها الخارجية التي تحاول الحفاظ على المصالح طويلة الأمد للعالم العربي".

وتصطدم هذه التطورات بموقف الرأي العام العربي الذي ينظر إلى الجامعة كمؤسسة عربية كبيرة فشلت في التعامل مع الأزمات الكبرى التي تشهدها المنطقة عام 1945، وهو الأمر الذي يحتاج إلى عمل إعلامي كبير لتحسين صورة الجامعة.

الفرصة الأخيرة لمبادرة السلام

ومؤخرا، كشفت الحرب في اليمن وسوريا والعراق والأوضاع الأمنية في ليبيا بالإضافة إلى أزمة سد النهضة الكثير من المشاكل ونقاط الخلاف التي أدت إلى تراجع دور الجامعة العربية ووزنها كمؤسسة سياسية عربية كبرى.

في هذا الصدد أكد الوزير الجزائري الأسبق محي الدين عميمور أن أزمة الثقة بين الشعوب العربية والجامعة العربية بدأت بعد نكبة 1948 مع فشل إقامة دولة فلسطينية حقيقية.

وأوضح عميمور أن إصلاح الجامعة يحتاج اليوم إلى تحقيق الانسجام بين الدول الأعضاء أولا وثم مناقشة القضايا الكبرى.

ويجمع الخبراء على اعتبار قمة الجزائر الفرصة الأخيرة، لاستعادة زخم مبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2002 بقمة بيروت التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث وضعت المبادرة شروطا لا تختلف حولها الدول العربية من ناحية الشكل مقابل السلام مع إسرائيل.