حذرت دراسة حديثة من تحديات العالم الرقمي الذي تستغله الجماعات المتطرفة لترويج أفكارها واستقطاب الشباب وتمويل عملياته في ظل اتجاه عالمي لتشديد التشريعات المكافحة للإرهاب.

وبحسب دراسة لـ"المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب"، مقره ألمانيا، فإن مخاطر التنظيمات المتطرفة، على الأمن الدولي وبضمنها الأمن الرقمي السيبراني قد تصاعدت خلال السنوات الاخيرة، فلم تعد تقنيات الإرهاب كسابق عهدها، ما يعني أن أجهزة الاستخبارات في سباق مع "الذكاء الاصطناعي" وتحديات العالم الرقمي الذي تستغله الجماعات المتطرفة، في عالم ربما غير منظور للمواطن العادي وهي الشبكة المظلمة والعميقة.

الإرهاب الرقمي.. التنظيمات تستغل العملات الرقمية

استقطاب الشباب

وأوضحت أن التنظيمات المتطرفة أدركت مبكرا أهمية شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي واعتبرتها منفذا مأمونا لنشر وتنفيذ مشروعها الأيديولوجي بعد إقرارها بفشل عمل التنظيمات السرية والتجنيد المباشر في ظل الهجمة الأمنية الدولية والتنظيم الإقليمي.

وقالت إن العالم الرقمي وأدواته المتطورة والآمنة عزز قدرة تنظيم داعش الإرهابي على ترويج أفكاره المتطرفة واستقطاب الشباب ليكونوا جزءا من مخطط "الذئاب المنفردة" بسهولة لتنفيذ العمليات الإرهابية من غرفهم، خاصة مع استخدام تطبيقات وشبكات غير مراقبة أمنيا مثل تلغرام و"ديب ويب".

وهو ما أيدته دراسة أعدها "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة"، التابع لدار الإفتاء المصرية بعنوان "استراتيجيات وأيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت" بتأكيدها على أن شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد "الذئاب المنفردة"، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة.

الأمم المتحدة تناقش طرق تمويل الإرهاب الجديدة

وأوضحت أن الجماعات الإرهابية تقوم بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامها المناسب، حيث تنشط على فيسبوك لاستدراج الشباب بطرق غير مباشرة، أما تويتر، فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة، وتليغرام للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته وروابط تقاريره المصورة والمرئية، لترويج نجاحات مزيفة، في حين يستغل يوتيوب لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف، حيث إن نظام المراقبة الخاص بالموقع يتم بعد رفع الفيديوهات عليه.

وتبذل الشركات المسؤولة عن التطبيقات جهودا مكثفة لإزالة المحتوى المتطرف، وفقد داعش بالفعل العديد من صفحاته على تويتر وتليغرام وفيسبوك، في ظل مساعي المفوضية الأوروبية لفرض قوانين جديدة تدفع تلك المواقع وشركات أخرى للإنترنت لإزالة المحتوى المتطرف لداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة، وإلا واجهت غرامات، لكن رغم تلك الإجراءات الصارمة بات الفكر الداعشى يراهن على استخدام تطبيقات برامج "اللايف تشات".

كيف نحمي أولادنا من التطرف ؟

 

وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في يونيو 2018، خلال مؤتمر رفيع المستوى لمكافحة الإرهاب، بقوله إن "الخطوط الأمامية لمكافحة الإرهاب ليست موجودة على الأرض فقط، بل أصبحت بشكل متزايد على شبكة الإنترنت، إذ يستغل الإرهابيون وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل المشفرة والشبكة الإلكترونية المظلمة لنشر الدعاية وتجنيد الأعضاء وتنسيق الهجمات".

أخبار ذات صلة

مشروع قانون لتصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية في أميركا
حيلة إخوانية جديدة لضرب اقتصاد مصر.. وكشف التفاصيل

سبل التمويل

وتحت عنوان "البيتكوين وصدقات الجهاد"، أفتى تنظيم داعش الإرهابي بجواز التعامل بالعملات الرقمية لتسيير عملياته الإرهابية في مواجهة الأنظمة المالية العالمية التي تكافح لمنع الدعم اللوجيستي للإرهاب. كما تضمنت المواقع المحسوبة على تنظيم داعش في الإنترنت إعلانات للتبرع لعملياته وإمكانية الدفع عبر عملات إلكترونية.

وأوضحت الدراسة أنه "بعيدا عن أعين الاستخبارات الأوروبية وسيطرة الحكومات في دول العالم، تمكنت التنظيمات الإرهابية من التواصل بسرية تامة وجمع التبرعات المالية وإرسال واستقبال الأموال في مناخ آمن وذلك عن طريق الإنترنت المظلم أو ما يسمى Deep web وهي شبكة لا تعتمد على المتصفحات العادية التي تعرض من محتوى الإنترنت القشرة الخارجية فقط، بل تسخر أنظمة معقدة يصعب على الأنظمة الاستخباراتية تعقبها.

ووفقا لدراسة سابقة للمركز، تمتلك قيادات داعش عملات بيتكوين تبلغ قيمتها 300 مليون دولار وسط مخاوف من تزايد حجم هذه العملات واستغلالها في تنفيذ موجات جديدة من الهجمات الإرهابية.

وأكدت الدراسة على أن ذلك يتطلب من الحكومات على مستوى وطني تصعيد جهودها والارتقاء إلى التحديات الجديدة في العالم الرقمي، الذي أصبح تهديدا لا يقل عن تلك التهديدات على الأرض.

أخبار ذات صلة

من مكافحة الإرهاب إلى الثروات.. لماذا الاهتمام بدول الساحل؟
"الحاضنة العرقية" للتطرف.. أزاحت "برخان" وتعاند حكومة مالي

البحث عن البقاء

الكاتب والباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي مصطفى زهران، قال "إن التنظيمات الإرهابية بشكل عام وداعش بشكل خاص دأبت على تنوع مصادر التمويل".

وأضاف زهران في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "التمويلات تمثل للتنظيمات الإرهابية مقومات البقاء على قيد الحياة. في السابق كانت تعتمد على تمويل من قبل دول ومؤسسات وما شابه حينما انتقلت إلى محور الاستقلالية أصبحت تعتمد على نفسها ومن هنا كانت الحاجة إلى تعدد مصادر التمويل".

 وأوضح أن تنظيم داعش "له الكثير من الوسائل التي يحصل على تمويله منها، وأينما وجدت هذه الأهداف وجه قبلته نحوها ومثال على ذلك مؤخرا في موزمبيق بقلب أفريقيا، إذ يتجه نحو مناجم الذهب وغيرها، ثم يتجه إلى جمع ما يشبه الضرائب من المناطق التي يسيطر عليها جغرافيا".

وتابع: "وبين هذا وذاك وبالانتقال من الأرض إلى الفضاء الإلكتروني، فاتجاه داعش إليها مثل هذه الأنماط في التمويل يعكس قدراته ومدى تفكيره في ابتكار سبل جديدة لمحاربة التشريعات التي تسنها الدول لوقف الدعم اللوجستي للتنظيمات المتطرفة".

وتر المظلومية

وحول سبل الاستقطاب، قال زهران إن "التنظيم يعمل في هذا الملف عبر عدة سبل أبرزها الناحية الدينية ثم اللعب على وتر المظلومية والفئات المهمشة والأقليات التي تلقى غبنا في بعض الدول حتى يصبحوا لقمة سائغة للتنظيمات الإرهابية ومن ثم تدشين وخلق الكثير من الذئاب الجديدة لإطلاقها في العالم لتنفيذ أجندته الإرهابية".