في غمرة انتظار صدور النتائج النهائية للانتخابات العامة العراقية، التي تمت في 10 أكتوبر الجاري، مع تواصل عمليات تدقيق الطعون والشكاوى المقدمة للمفوضية العليا المستقلة، وتصاعد الخلاف والجدل حول من سيكون الأحق بتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان الجديد، والتي تكلف بتأسيس الحكومة العراقية المقبلة.

وسط مؤشرات تدفع باتجاه اللجوء مجددا لخيار حكومة توافقية، تضم الكتل السياسية الرئيسية ليس فقط على صعيد مختلف المكونات وخاصة الثلاث الرئيسية الشيعية والسنية والكردية، بل وعلى صعيد داخل كل مكون منها، الأمر الذي يدفع مراقبين للمشهد لطرح التساؤلات حول السبب في إصرار مختلف الأطراف السياسية العراقية، على التمثل في الحكومة القادمة، والتشبث بالمشاركة فيها، حتى تلك المنضوية في إطار مكون واحد، وإغفالها تماما فرضية لعب دور معارضة برلمانية مراقبة للأداء الحكومي وناقدة.

وللتعليق على خلفيات ضعف ثقافة المعارضة في البيئة السياسية العراقية، والإصرار على تقاسم الكعكة الحكومية بين الفرقاء العراقيين، يقول مدير مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري لـ"سكاي نيوز عربية": "المعارضة غير مرغوبة بالعراق في العمل السياسي، كونها تاريخيا دوما ما كانت عرضة للاستهداف والتنكيل والاعتقالات والاعدامات من قبل السلطات الحاكمة، وبالنهاية حتى مع التحول الديمقراطي بعد عام 2003، بقيت تلك الفكرة مترسخة لدى القوى السياسية العراقية، والتي أصلا كانت قوى معارضة للنظام السابق، والمرتكنة على أن من يذهب للمعارضة، سيكون تحت طائلة المساءلة الحكومية وفقد امتيازات المشاركة بالسلطة". 

أخبار ذات صلة

خطوة غير مسبوقة.. تشكيل "كتلة نسائية" داخل البرلمان العراقي
بعد الانتخابات.. مناطق العراق المحررة من داعش تتطلع للتغيير
احتجاجات المليشيا العراقية.. تصعيد لانتزاع حصة من "الوزارات"
رسالة من الصدر إلى "مدعي التزوير".. وحديث عن سيناريو الفوضى

المعارضة وخاصة النيابية منها هي ركن أساسي لمعادلة النظام الديمقراطي جنبا إلى جنب الحكومة، كما يقول الأستاذ الجامعي العراقي، مضيفا: "لكن في العراق بما أن السلطة هي مصدر الحصانات السياسية وغير السياسية، تكاد تكون المعارضة مفقودة بالعراق". 

وأردف: "ثمة اعتقاد رائج بالوسط السياسي العراقي، مفاده أن من يتواجد في السلطة التنفيذية ويشارك، فمستقبله السياسي مضمون، بمعنى أنه سيبقى حاضرا في المشهد السياسي العام ومؤثرا فيه".

والعامل الأهم كما يرى الشمري وراء ظاهرة العزوف عن لعب دور المعارضة الرقابية والتقويمية في العراق أن "القوى الحزبية لا تملك نضجا سياسيا، وتركض خلف بريق السلطة وأدواتها، ولا تعنى بتقويم الدولة ومؤسساتها، في اطار بلورة مشروع وطني وإصلاحي معارض وفاعل".

ويتابع: "الآن نحن أمام تحول في ظل ظهور أحزاب جديدة ومستقلة، يبدو أنها تتوجه نحو المعارضة، وهذا فعل تأسيسي صحيح ومطلوب، وأتوقع لهذا التوجه النجاح إذا ما تماسك وتبلور في قادم الأيام". 

أما رائد العزاوي مدير مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية، فيقول في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "غياب ثقافة المعارضة داخل منظومة السياسة والبرلمان العراقيين، مرده أن العملية السياسية العراقية نابعة أساسا من التوافقية وتقاسم المكاسب والمغانم، رغم أن ألف باء أي ممارسة ديمقراطية، يعني وجود حكومة ومعارضة، وبالتالي كافة البرلمانات العراقية السابقة تشكلت توازناتها واصطفافاتها وفق هذا النهج التوافقي". 

والمبدأ العام في آليات اشتغال هذه البرلمانات العراقية المتعاقبة، كما يوضح العزاوي بالقول: "كان يقتضي أنه لا نعارض الحكومة ولا نراقب أدائها، كوننا جزء منها، وبالتالي بات الوضع مماثلا لحد ما لما كان قائما سابقا، إبان حكم الحزب الواحد مع تسجيل فارق أنه هذه المرة ثمة مجموعة أحزاب تسيطر على المشهد السياسي، وتتقاسم المناصب والمكاسب فيما بينها، وعليه فثقافة المعارضة غائبة لكون العملية السياسية التي بنيت بأدوات الديمقراطية كالانتخابات دون روحها، أفرزت ولادة برلمانات عرجاء ومعطوبة، بمعنى أنه لا يوجد برلمان حيوي ودينامي، كما هو قائم في دول العالم الديمقراطي المتحضر، بتجاربها البرلمانية العريقة". 

ويختم الأكاديمي العراقي: "ربما تتشكل في البرلمان العراقي الجديد ودون جزم بذلك، معارضة برلمانية جنينية لنقل، كون أن هناك هذه المرة نحو 50 إلى 60 مقعدا برلمانيا مستقلا عن أحزاب المنظومة التقليدية المسيطرة في البلاد، ومع أنها في المجمل ستكون معارضة غير ذات تأثير يذكر بالنظر لخريطة توزيع القوى الحالية، لكن المؤمل أن يتمخض عن الدورة الانتخابية القادمة، التأسيس لمعارضة برلمانية قوية ووازنة، خاصة في حال ما استمر مسلسل انهيار القوى الكلاسيكية، كما حدث مع بعضها خلال هذه الانتخابات".