أثار إعلان وفاة الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الجمعة، ردود فعل متباينة في الشارع الجزائري، لا سيما أن الراحل تولى حكم البلاد طيلة عقدين، ثم تنحى وسط حراك شعبي حاشد.

وصل الرئيس الأسبق، عبد العزيز بوتفليقة عن طريق صندوق الاقتراع إلى كرسي الحكم، فيما يقول متابعون إن علاقته بالشعب الجزائري، شابتها تناقضات كثيرة، واستمر الأمر على ذلك الحال، حتى عند وفاته.

وظهر هذا الانقسام في ردود الفعل والتعليقات وصيغ النعي لدى الكثير من الجزائريين وهو ما يفسر جزءا مهما من العلاقة الشائكة، التي بدأت بالتصويت عليه بنسبة 90 في المئة، في رئاسيات 1999، وانتهت بمسيرات مليونية تطالب برحيله عام 2019.

وقال جزائريون، إن بوتفليقة يظل صفحة مهمة من تاريخ البلاد، كما أنه كان ذا كاريزما بارزة، بينما قال آخرون إنهم لا يتشفون في الوفاة، لكنهم أوضحوا أن التأثر بمصاب إنساني، هو الوفاة، لا يحجب حقائق التاريخ والأداء السياسي، فأشاروا إلى ما اعتبروها أخطاء ارتكبت على عهد بوتفليقة فأضاعت الكثير من فرص التغيير على الشعب الجزائري وبددت ثروات مهمة.

التعامل وفق ثقافة الدولة

من الناحية السكانية، ينقسم الشعب الجزائري إلى ثلاثة أجيال؛ وأولها جيل عاش مرحلة "ثورة التحرير"، وهؤلاء سمعوا عن بوتفليقة عندما كان مقاوما في صفوف جيش التحرير الوطني.

عُرف بوتفليقة بعد الاستقلال كسياسي يتمتع بحس دبلوماسي قوي مما جعله يتقلد العديد من الحقائب الوزارية وهو في سن العشرين، فكان وزيرا للشباب والرياضة ووزيرا للخارجية في نظام الرئيس الراحل هواري بومدين.

وقد تعامل أبناء هذا الجيل مع خبر الرحيل، من خلال التركيز على ما وصفوها بـ"ثقافة الدولة"، ومن بينهم الوزير السابق محي الدين عميمور الذي عمل مع بوتفليقة، وكان أحد المقربين منه.

قال عميمور في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، "دفنه في غير (مقبرة) العالية إهانة لنا جميعا، كان رئيسنا، بغض النظر عن مساره".

وهذا الإحساس تملك أيضا الروائي الشهير واسيني الأعرج الذي قال "احترام رئيس في موته هو جزء من احترام الدولة لنفسها".

وكتبت الروائية الجزائرية، أحلام مستغانمي "رحل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ذات جمعة، لعلها دعوة صغيرة حققها له الله، بعدما غدت كل أمنيته أن يغادر هذا العالم بسلام، مضى صامتا، كما عاش سنواته الأخيرة تاركا الكلمة بعد الآن للتاريخ".

أما الجيل الثاني فهم جيل الاستقلال، وأعمارهم اليوم تتراوح ما بين الأربعين والخمسين، ولعل من أبرز المحطات التي عرفتهم أكثر ببوتفليقة، مرحلة العشرية السوداء "1990 إلى 1999".

هذه الفترة العصيبة التي مرت بها الجزائر خلفت أزيد من 200 ألف قتيل، ولم تنته الأزمة إلا بقدوم بوتفليقة إلى الحكم وقد حمل معه مشروعي الوئام والمصالحة الوطنية التي طوت من خلالها الجزائر صفحة الدم.

وعلق المخرج محمد والي الذي يعد أحد أبناء جيل الاستقلال في هذا الصدد قائلا "عندما تقلد بوتفليقة الحكم سنة 1999، ولد عندنا آنذاك حلم كبير بأن تكون ظروف بلدنا أفضل بعد عشرية من الدمار، وها هو اليوم يغادرنا الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد أطول فترة حكم دامت عشرين سنة انتهت بحراك مليوني، رحمه الله ".

لا مجال للشماتة

أما الجيل الثالث فهم شباب اليوم ممن تقل أعمارهم عن الخامسة والعشرين، وقد عاشوا عشرين سنة من حياتهم تحت حكم نظام بوتفليقة، وهؤلاء هم أبرز من وقف في الصفوف الأولى لحراك 22 فبراير 2019 لإعلان رفضهم لتمديد العهدة الخامسة لبوتفليقة.

والملاحظ أمام هذا المصاب الجلل، هو طي معظم الشعب لصفحة الخلاف مع بوتفليقة، وبدا المغردون من جيل الشباب أكثر تصالحا مع رئيسهم السابق، فتحدث كثيرون عن مناقبه بينما يجري الاستعداد حتى يُوارى الثرى.

وكتب المخرج حراث عبد الرحمن، 24 سنة، "وفاة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الذي حكم الجزائر بين 1999 و 2019، رغم كل شيء يبقى رئيسا محنكا دبلوماسيا بكل معنى الكلمة ربي يرحمه و يغفر له".

وقال الكاتب أحمد طيباوي، وهو من جيل الشباب "لقد أُعلن اليوم عن وفاة الرئيس الأكثر جدلا في تاريخ الجزائر، وربما كانت له مناقب عند فئات من الشعب من غير المنتفعين والانتهازيين، قد يضمن الزمن أحكاما أكثر إنصافا أو حتى تساهلا معه، التاريخ كفيل بذلك دون شك".

ولعل من أبرز المسائل التي ظلت تزعج الجزائريين عند إعلان وفاة أحد الرؤساء، مسألة كتابة المذكرات، ولم يخرج بوتفليقة من هذه المعادلة.

في هذا الصدد قال الصحافي عثمان لحياني "لقد عاصر بوتفليقة التاريخ السياسي للجزائر والعالم، وكان أحد صناعها أو المؤثرين في مجرياتها، لكن بوتفليقة، لم يكتب أية مذكرات أو شهادات عن أحداث كان شاهدا عليها".

الاعتذار

وكان آخر ظهور إعلامي لبوتفليقة في 2 أبريل عام 2019، عندما قدم استقالته من منصبه إلى رئيس المجلس الدستوري بحضور رئيس مجلس الأمن عبد القادر بن صالح، تحت ضغط الشارع، وذلك قبل انتهاء ولايته الرئاسية في 28 أبريل 2019.

حملت آخر كلمات كتبها بوتفليقة إلى الشعب، عبارات من الاعتذار في رسالة نشرت بعد يوم من تقديمه لاستقالته جاء فيها: "وأنا أغادر سدة الـمسؤولية وجب علي ألا أنهي مساري الرئاسي من دون أن أوافيكم بكتابي الأخير هذا وغايتي منه ألا أبرح الـمشهد السياسي الوطني على تناء بيننا يحرمني من التماس الصفح ممن قَصَّرت في حقهم من أبناء وطني وبناته، من حيث لا أدري رغم بالغ حرصي على أن أكون خادما لكل الجزائريين و الجزائريات بلا تمييز أو استثناء".

ورغم ذلك إلا أن بعض السياسيين اختاروا التوجه نحو الحديث بلغة وصفت بالقاسية، وهو شأن زعيم حزب حركة "حمس" الإخوانية، عبد الرزاق مقري الذي علق قائلا "كفى بالموت واعظا، على الحكام أن يدركوا أنهم مهما قهروا الناس بسلطانهم وقوتهم ومالهم وأعوانهم والمتزلفين لهم فإنهم لن يقهروا الموت".

وقد أثارت هذه التغريدة التي لم يرفقها زعيم الحزب الإخواني بالترحم على بوتفليقة، حفيظة العديد من المتابعين الذي انتقدوها معتبرين أن التوقيت لا يسمح بكتابه مثل هذه الكلمات، خاصة أن الرئاسة قررت أن تنظر للراحل على أساس أنه المقاوم والرئيس السابق للجزائر.

حالة صمت

ورغم إعلان الرئيس عبد المجيد تبون الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام مع تنكيس للراية الوطنية وتخصيص جنازة رسمية لبوتفليقة الذي سيدفن بمربع الشهداء بمقبرة العالية، إلا أن حالة من الصمت لا تزال تسود الأوساط الحزبية والمنظمات والجمعيات ولم يصدر لحد الساعة بيان من جبهة التحرير الوطني وعدة أحزاب جزائرية.

ويفسر الباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي السلوك العام للتعامل مع الحدث قائلاً: "بوتفليقة سيبقى محل تجاذبات، وهو شخصية يصعب تحقيق الإجماع حولها".

أخبار ذات صلة

الجزائر تعلن الحداد الوطني على بوتفليقة

وقال جابي لموقع "سكاي نيوز عربية"، "لقد مر بوتفليقة بمحطات مهمة، وفي مساره أشياء تاريخية خاصة عندما كان عضو مجلس الثورة، ومن الطبيعي أن يكون شخصية مثيرة للجدل للرأي العام، حتى أنه بالنسبة لي أكثر غموضا من بومدين وبن بلة بالنسبة للرأي العام في الجزائر".

ويرتقب أن تقام مراسم إلقاء النظرة الأخيرة على نعش الرئيس الراحل، في قصر الشعب بحضور كبار المسؤولين في الدولة؛ على رأسهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.