تبلغ نسبة النساء من إجمالي القوى العاملة بالعراق 12 بالمئة فقط، حسب أكثر الإحصاءات تفاؤلا، وهو رقم متواضع للغاية في البلاد التي كانت النساء فيها يشاركن في العمل بنسب أكبر بكثير فيما مضى.

ويأتي الكشف عن هذه الأرقام، قبيل الانتخابات العامة المرتقبة في العراق، الشهر المقبل، وسط تعالي أصوات المنظمات النسائية المطالبة برفع نسبة الكوتا البرلمانية المخصصة للنساء أكثر من النسبة الحالية البالغة 25 بالمئة.

وبحسب هذه المنظمات، فإن هذه الكوتا لا تعبر عن حضور النساء في الحياة العامة العراقية.

لكن حضور النساء في مجال العمل شبه منعدم، وللأمر أكثر من تفسير، فالحكومة العراقية تنحو نحو تحميل النساء مسؤولية عدم انخراطهن في سوق العمل.

تفسيرات متباينة

وتقول أرقام الحكومة العراقية إن 87 بالمئة من النساء لا يملكن استعدادا ورغبة للدخول في سوق العمل.

في المقابل، ترفض الناشطات النسوية هذا التفسير، مؤكدات أن الحكومة ومؤسسات الدولة لا تعمل بما فيه الكفاية لتهيئة بيئة العمل القانونية والاجتماعية والاقتصادية لكي تكون مريحة وجاذبة للنساء.

وتقول الناشطة النسوية العراقية، سعدية التميمي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" إن هناك العديد من المصاعب "الطاردة" للنساء في سوق العمل، مما يدفعهن لترك وظائفهن.

البداية مع التحرش الجنسي

وتعدد التميمي الأسباب: "يبدأ ذلك من التحرش والابتزاز الذكوري في المجال العام، حيث لم تسعَ أية حكومة عراقية لوضع قوانين رادعة لذلك، كما أن الاستثمارات التي تنفذها الحكومة العراقية أو تسمح بها تتم دون أن اشتراط أية كوتا نسائية في هذه المشاريع، خاصة في القطاعات التقنية والسياحية والخدمية".

 لكن الأهم، وفق الناشطة العراقية، هو أن البنية الاقتصادية في العراق التي تسيطر عليها الأحزاب السياسية المركزية، وغالبية هذه الأحزاب المركزية محافظة ولا تفضل أي حضور للنساء في سوق العمل.

أخبار ذات صلة

جريمة بشعة في العراق.. مقتل الشابة نورزان يفجر غضبا كبيرا

مفارقة كبيرة

وترصد أرقام البنك الدولي المفارقة بين النساء العراقيات وبقية النساء في المنطقة، فخلال الأعوام 2014-2020 حققت النساء مزيداً من الحضور في سوق العمل في مختلف دول المنطقة، إذ قفزت نسبتها من 14.7 بالمئة إلى 16.5 بالمئة

وعلى النقيض من ذلك، انخفضت نسبة النساء في سوق العمل العراقي، وخلال الفترة نفسها، من 12 بالمئة إلى 8 بالمئة، ثم عادت للارتفاع بشكل نسبي لاحقا.

السبب في العنف أيضا

الباحث الاجتماعي العراقي، درباز حمه، يُعلل ذلك أيضا بارتفاع مستويات العنف في العراق خلال تلك السنوات.

 ويضيف في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "ثمة ارتباط شديد بين ارتفاع مستويات العنف وإخراج النساء من سوق العمل. لأن حاجات النساء لبيئة آمنة هو شرط جوهري لعملها، وهذه البيئة نادراً ما توفرت في العراق طوال قرن كامل مضى. فالحروب الداخلية والخارجية التي غرقت فيها العراق لم تكن مجرد جبهات قتال، بل كانت تغيراً للعالم النفسي والمجتمعي والحياتي للعراقيين، وخلق توترات داخل المجتمع، وطبعاً ترفع من مستويات المحافظة والقيم العشائرية، وهذه كلها عوامل تطرد النساء من سوق العمل وكامل المجال العام".

تُشير منظمة اليونسكو في تقريره لها أن الغالبية العُظمى من النساء العاملات في العراق يعملن في القطاع العام، وفي القطاعات التربوية والصحية، فيما النسب أقل في النشاطات الإنتاجية، سواء المشاريع المتوسطة والكبيرة، أو حتى المبادرات الصناعية والعمل التجاري، وطبعاً في الأعمال التي تحتاج لمجهود عضلي.