بعد حوادث عدة مُلفتة في مختلف مُدن العراق، وصل بعضها إلى حد الاغتيال، تزايدت نقمة الشارع العراقي على حالات التحرش التي تجري في المجتمع العراقي، مطالبين الجهات الحكومية والسياسية إصدار تشريعات رادعة لهذه الظاهرة، شبيهة بما صدر في مصر قبل أسابيع قليلة.

الناشطة المدنية العراقية والأستاذة الجامعية نازك الشماس، كانت واحدة من اللواتي تعرضن لمثل هذه الظاهرة منذ فترة، التي روت في حديث مع سكاي نيوز عربية ما جرى معها وقتئذ "كُنت أتمشى في السوق العام في منطقة الجادرية، وتعرضت لكلام نابذ وجنسي من قِبل أحد أصحاب المحال التجارية، وحينما ذهبت لمخفر الشرطة المدنية للشكوى، فأن الضابطة التحقيقية رفضت الشكوى لأنها اعتبرت إنه ليس من دليل وشهود لما قد تعرضت له، فمعظم أفراد المجتمع يرفضون الحضور كشهود على مثل هذه الأحداث. كذلك فأن الضابطة الشرطية لا تملك قانونية وتعليمات واضحة في ذلك الاتجاه".

أخبار ذات صلة

الكاظمي: لا يمكن لأي دولة أن تحكم العراق
العراق.. عملية أمنية على الحدود مع سوريا

وتضيف الشماس إن أسوء ما لاقته هو الملامة الاجتماعية التي تعرضت له من الحلقة الاجتماعية الأضيق المحيطة بها.

مرويات العراقيات على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا تلك التي تم تأسيسها لهذا الغرض، تقول إن جميع أنواع "طيف التحرش" تنتشر في المجتمع العراقي، من التعليقات الجسدية والجنسية في الأماكن العامة، مروراً بالمضايقات الجسدية في وسائل النقل العام واستغلال المنصب في المؤسسات العامة، ويصل الأمر في الكثير من الحالات إلى مستويات الاعتداءات الجسدية.

وكانت الأرقام غير الرسمية التي أصدرتها منتدى الإعلاميات العراقية قد ذكر أن 77 بالمائة من العراقيات يتعرضن للتحرش المباشر، فيما طالبت أكثر من 90 بالمئة منهن وضع قوانين قادرة على ردع المتحرشين.

لكن الأرقام الأكثر إثارة للانتباه هو تصريح 78 بالمائة من اللواتي تم استقصائهن بأنهن تعرضن للتحرش في مجال العمل، وأنهن لم تستطعن ترك العمل لأسباب اقتصادية.

النسب التي وزعتها الأبحاث الاجتماعية حول أنواع التحرش التي تعرضن لهن، قالت إن 57 بالمائة منهن تعرضن لتحرش لفظي، فيما تتعرض 20 بالمائة منهن لتعرض جنسي، وكان للتحرش داخل المنزل نسبة 5 بالمائة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تعرضت 7 بالمائة من النساء للتحرش.

وشرح الحقوقي العراقي نُمير بابان في حديث مع سكاي نيوز عربية، معنى ودلالة أن تكون النسبة العُليا لحالات التحرش تحدث في الأسواق والمؤسسات العامة للدولة: "حسب الأرقام غير المضبوطة بشكل تام، فأن 65 بالمائة من حالات التحرش تجري في الأسواق ووسائل النقل ومؤسسات الدولة، هذه الأماكن التي من المفترض أن تكون فضاء لسيطرة القانون العام من طرف، والأعراف والأخلاق المجتمعية العمومية في المجتمع. وبهذا المعنى فأن القوانين العراقية مهترئة وشبه مشجعة لذلك، فضلا عن أن أفراد الأجهزة الأمنية والشرطية وحتى التحقيقية والقضائية متواطئة موضوعياً مع المتحرشين، من خلال دفع النساء لأن يصمتن عما يتعرضن لهن ابتزاز وتحرش في الفضاء العام، وهو جزء من تراجع الروح المدنية والاعتداد بالقانون في المجتمع العراقي".

ليس ثمة من قانون عراقي خاض بالتحرش، بل مواد قانونية تضع عقوبات للاعتداءات الجسدية والجنسية في الأماكن الوظيفة عبر قانون العقوبات العراقية رقم 111 لسنة 1969، والحد الأعلى للعقوبة، وبعد إثبات طيف واسع من الشواهد والدلالات، أنما لا يتعدى السجن لعام واحد، وهو من أقل العقوبات على مستوى العالم. كذلك فأن المواد 400-404 من قانون العقوبات العراقية يختصر التحرش بمواضيع الفعل الفاضح في المجال العام.

حملات الدعوة لإقرار قوانين رادعة لظاهرة التحرش في البلاد تصاعدت خلال الشهور الماضية، وصارت تنتشر في كافة وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، حتى أن بعض الناشطين المدنيين العراقيين طالبوا الجهات السياسية إن يكون ذلك جزء من تعهداتهم السياسية خلال الحملات الانتخابية القادمة.