أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية مجموعة من المُحددات الواجب توفرها في أي ضيف تستضيفه القنوات الفضائية العراقية، وإلا فإنها تُحمل تلك المؤسسات الإعلامية تبعات ما ينجم عما يتحدث به هؤلاء الضيوف.

وهددت الهيئة المعنيين بالأمر "بشكل ضمني" بالملاحقة القانونية والعقوبات المسلكية في حال عدم التزامهم بهذه المُحددات.

قرار الهيئة العراقية صدر في وقت تبدأ فيه العشرات من الفضائيات العراقية موسماً ساخناً من المواجهة الإعلامية بين القوى السياسية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية العامة التي ستجري بعد قرابة شهرين من الآن، حيث تستخدم كل الأدوات الممكنة من الإسقاط السياسي إلى الاتهامات بالفساد واستخدام الحساسيات القومية والطائفية والمناطقية.   

وكانت هيئة الإعلام والاتصالات، والتي تعمل كهيئة وطنية مستقلة، كانت قد أصدرت قبل يومين من قرارها الأخير هذا طلباً لمجلس القضاء العراقي الأعلى، طالبته باتخاذ كل الإجراءات القانونية بحق وسائل الإعلام العراقية غير الحاصلة على ترخيص وتفويض بالعمل من قِبل الهيئة.

ومن مضامين توجيهات الهيئة، هي دعوتها للمنابر الإعلامية بعدم استضافة الشخصيات التي يُمكن أن "تشكل تهديداً للنظام الديمقراطي في العراق، أو تساهم في تعطيل الانتخابات أو غيرها من الممارسات الديمقراطية التي كفلها الدستور العراقي"، وهي النقطة التي اعتبرها المراقبون بمثابة تحييد وإخراج للمقاطعين والرافضين لشروط الانتخابات الحالية من الحضور في المشهد الإعلامي العراقي.

كذلك فإن الهيئة طالبت الفضائيات بـ"عدم طرح أي مواد تعرض السلم الأهلي والأمن الوطني في العراق إلى الخطر أو تؤدي إلى استهداف العملية السياسية الديمقراطية أو إثارة النزاع بين أطراف المجتمع العراقي أو مكوناته أو تخالف الدستور". هذه المادة أحدثت أكبر شقاق بشأن القرارات الجديدة، بين من رآها ضبطاً واضحاً للخطاب الطائفي والعرقي المنفلت، وبين آخرين وجدوا فيها قمعاً قانونياً للمعارضين الجذريين للعملية السياسية في البلاد.

أما أكثر بندين أثارا لغطاً من 11 بنداً تضمنها قرار الهيئة العراقية المستقلة للإعلام والاتصال، كانا البندان السابع والحادي عشر.

ونص البند السابع على "عدم تناول الوثائق السرية وغير المصرح بها من قِبل الجهات المعنية فضلاً عن القضايا المعروضة أمام القضاء منعاً للتشويش على سير العدالة، والتأكيد على اتخاذ الخطوات اللازمة للتأكد من صحة المعلومات قبل طرحها". هذا البند اعتبره المتابعون بمثابة منع لأي دور للإعلام في كشف عمليات وشبكات الفساد المنتشرة في كافة المناطق ومناح الحياة العامة في العراق، خصوصاً وأن التأكد من صحة الوثائق أمر خاص بالقضاء والجهات التحقيقية، وليس المؤسسات الإعلامية.

أخبار ذات صلة

فيديو.. اشتباكات عشائرية في العراق بسبب صحن أرز
مستشار الكاظمي يكشف جديد ملف الانتخابات العراقية

أما البند الأخير فقد أصر على "منع الحوارات المخلة بالآداب أو الخادشة بشكل واضح للحياء والذوق العام والألفاظ والمفردات النابية، التي توحي إلى مضامين غير لائقة". واعتبر الصحافيون العراقيون هذا البند موجهاً بالمباشر إلى البرامج الفنية والترفيهية والساخرة، التي تستخدم لغة خاصة، لا تتناسب مع خيارات التيارات والقوى السياسية المحافظة في البلاد.

الناشط المدني العراقي هيمن بوزاني، شكك في إيجابية القرارات الجديدة لهيئة الإعلام والاتصالات العراقية، مذكراً في حديث مع "سكاي نيوز عربية" بالظرفية والحالة التي تعيشها المؤسسات الإعلامية في الدول الديمقراطية المتينة التي تحترم حُرية الرأي "في تلك الدول ليس من ضوابط قط لحرية الكلام، وإذا ما أحس المُدعي العام، أو أي مواطن آخر، أنه صدر عن هذا الوسيلة الإعلامية أو تلك ما يمس السلام الاجتماعي أو يدعوا للعنف والكراهية، فإنه يستطيع أن يلجأ للقضاء، مثل أية دعوة مدنية أخرى، التي قد تؤدي بها إلى خسارة الوسيلة الإعلامية لكامل رأسمالها المادي والمعنوي جراء خسارة دعوة واحدة".

يضيف بوازني أثناء حديثه: "ولأن ذلك متوفر كل حين، والقضاء يقوم بواجبه تماماً، فإن المؤسسات الإعلامية تخلق لنفسها وبشكل ذاتي مجموعة من المعايير والأعراق والمحددات التي تنبذ كل شكل من العوة للعنف أو الكراهية أو مس السلام المجتمعي، وليس من توجيهات وزارات أو هيئات الإعلام".

الشارع العراقي، وبالذات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انقسم تماماً بشأن التوجيهات الجديدة التي أصدرتها الهيئة. بين جهة رأت فيها آلية مناسبة لكبح الخطابات الطائفية والعرقية والداعية للعُنف ومعاداة حقوق الإنسان ومكانة النساء والخيارات المدنية، وأخرى، تضم طيفاً واسعاً من الشخصيات الإعلامية ومؤسسات مراقبة حرية الصحافة، ترى في القرار ما يشبه القرارات التي تصدر عن وزارات الإعلام في الدول الشمولية، والتي تحاول بدعوى التنظيم ومكافحة الفوضى ضبط وتأطير الرأي العام، وخلق حالة من التهديد القانوني الدائم للمتحدثين.