جبل هائل من الأزمات تلاحق العراق من ملف قطع إيران لمياهه، مروراً باحتلال تركيا لمساحات واسعة من أراضيه شمالاً، وليس انتهاء بسيطرة الميليشيات على أمنه الداخلي ومهاجمة المصالح والبعثات الأجنبية داخل أراضيه.

إن هذه الأزمات كلها دفعت بالمراقبين للتساؤل حول انخفاض قدرة جيش العراق على التصدي لهذه القضايا التي تمس حقوقه الاقتصادية والسياسية والسيادية، بعد أن كان ذات يوم أحد أقوى جيوش المنطقة.

يركز الباحثون على مؤشرين بارزين للدلالة على الضعف الموضوعي الذي يعاني منه الجيش العراقي، كما يؤكد الباحث المُختص في الشؤون الأمنية في مركز الشرق للدراسات، سطم العساف.

ويقول العساف: "الأول، المسليشيات التي يزداد حضورها في الشارع وتأثيراً على القوى السياسية، والثاني، بقاء داعش محافظاً على قدراته العسكرية واللوجستية وشن الهجمات النوعية بعد أربعة سنوات من إعلان القضاء عليه، هُما المؤشران على ذلك".

ويضيف العساف: "بقاء داعش بهذه القوة دلالة على عدم وجود قوة مركزية ذات تخطيط استراتيجي ضمن الجيش العراقي، وهذا دليل تصارع مراكز القوة داخله. وحضور الميليشيات مؤشر على هامشية دور الجيش".

أرقام التسلح التفصيلية

حسب تصنيف "غلوبال فاير باور" العالمي لـ"قوة الجيوش"، فإن الجيش العراقي يحتل المرتبة 57 من أصل 138 جيشاً على مستوى العالم، وهو مركزٌ يُعتبر مُتقدماً حسب المعايير العالمية، لأن العراق ليس بالدولة الصناعية، ولا يحوي كُتلة سكانية كُبرى.

ومع ذلك، فإن مؤشرات التعداد والقدرات القتالية والجاهزية تعطيه مرتبة متقدمة قياساً بالدول النظيرة له، فالأرقام المباشرة تقول بأن تعداد الأفراد في الجيش العراقي النظامي يقارب نصف مليون عسكري، موزعين على أربعة عشر فرقة نظامية.

تقول الأرقام الصادرة عن وزارة الدفاع العراقية بأن الجيش يملك 90 دبابة روسية من طراز "تي 90"، إلى جانب إلى 272 دبابة روسية أخرى من طراز "تي 72"، التي تعاقد العراق بشأنها مع روسيا خلال العام 2017.و كادت أن تسبب أزمة عسكرية بينها وبين الولايات المُتحدة، التي كانت قد طورت قطاع الدبابات العراقية بعد العام 2003 بدبابات "أبرامز أم 1" المتطورة، حيث بلغ عددها 142 دبابة، وكانت المساهم الأول في حرب الجيش العراقي ضد تنظيم داعش.

هذه الدبابات، بالإضافة إلى قرابة ألف مركبة مدرعة، أغلبها أميركية الصنع، و4500 ناقلة جُند من مختلف الأنواع، شكلت مركز ثقل التسلح البري العراقي، الذي يكاد أن يكون قطاعاً وحيداً لهذا الجيش، في ظل غياب الأنظمة الجوية والبحرية والإلكترونية.

وكان العراق يملك 15 طائرة من طراز "أف 16" الأميركية المتطورة، إلا أن الهجمات التي تشنها الميليشيات المسلحة على القواعد العسكرية العراقية، دفعت بالشركة الأميركية القائمة على تقديم الخدمات اللوجستية لتلك الطائرات لإعلان انسحابها من العراق خلال شهر مايو الفائت، مما أخرج هذه الطائرات العراقية من الخدمة فعلياً.

أخبار ذات صلة

الجيش العراقي يعلق على "الضربة الأميركية".. وبيلوسي تبرر

 

أخبار ذات صلة

في ذكرى سقوط الموصل.. الكاظمي يحذر من استغلال فتوى السيستاني

 

أخبار ذات صلة

هل يخضع العراق لعقوبات أميركية بسبب الأسلحة الروسية؟

 

أخبار ذات صلة

وزير الدفاع العراقي "غاضب": لن تخيفنا أسلحة الفصائل

 

الأسس الثلاث الغائبة

يُفند الخبير العسكري العراقي المتقاعد مروان الرُميحي في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" صحة تلك الدلالات المباشرة في جداول التصنيف العالمية.

ويقول: "ربما تكون أعداد الجنود وأنوع التجهيز صحيحة، لكن الجيش العراقي لا يملك الأسس الثلاث للجيوش الحديثة. فهو يفتقد لسلاح الطيران الحربي فعلياً، وكل العمليات الجوية ضد التنظيمات الإرهابية تقوم بها قوى التحالف الدولي نيابة عنه، حيث أن 70 طائرة حربية عراقية هي فعلياً خارج الاستخدام".

ويتابع: "كذلك فإن كِبار ضباط وقادة الجيش يفتقدون للاحترافية، إذ يغلب ولاؤهم الطائفي والسياسي على سلوكهم وانضباطهم العسكري المُفترض. أخيراً الجيش العراقي لا يمتلك التقنيات الحديثة، من القدرات السبيرانية وحروب الشبكات وأنظمة الليزر والرادارات المتطورة والأقمار الصناعية، لذا فأنه مُجرد جيش تقليدي، يشبه ما كان عليه في عقدي الستينات والسبعينات، وليس حتى الثمانينات، حيث تطور الجيش العراقي وقتئذ أثناء مرحلة الحرب مع إيران بشكل استثنائي".

أمتناع عالمي عن التسليح

تتجه الحكومة العراقية الراهنة للحصول على مزيد من الأسلحة روسية الصنع، بعد امتناع الولايات المتحدة وأغلب الدول الأوربية على منح الجيش العراقي مزيداً من التجهيز، بسبب الخشية من وقوع تلك الأسلحة في أيادي الميليشيات والتنظيمات المُتطرفة.

وذهب الغرب في هذا الخيار أكثر نتيجة تقاعس الحكومة العراقية عند اتخاذ أية خطوات عقابية تجاه الهجمات التي تشنها الميليشيات على القواعد العسكرية التي للتحالف الدولي.

وحذرت دول غربية الحكومات العراقية المتعاقبة من السعي لمزج بنية التسلح العراقية، الأميركية بأغلبيتها منذ العام 2003، بأنظمة روسية وصينية، مشيرة إلى احتمال أن يتعرض العراق لما تعرضت له تُركيا بعد قيامها بشراء منظومة "أس 400" الروسية الدفاعية مؤخراً.

اللواء العراقي المتقاعد، برهان الحمداني، والمقُيم في السويد، انتقد في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" التوجه العراقي الذي يختصر مسألة التطوير في زيادة التسلح.

وأضاف: "من الواضح أن الفساد من طرف، حيث يستفيد من تلك الصفقات كبار القيادات العسكرية والأحزاب الحاكمة، ومن طرف آخر، بغية منح مزيد من الأسلحة للميليشيات، هي من تقف وراء هذا التلهف الحكومي لشراء كميات ضخمة من الأسلحة سنوياً.".

ورأى أن ذلك يأتي "في وقت تُهمل فيه الأساسيات التقليدية لرفع مستويات الجيش العراقي، مثل الاهتمام بالتربية الاحترافية للضباط وزيادة مستويات تعليمهم ورفع مستويات التحديث والتنسيق بين مختلف القطاعات وخلق وحدات بحث عسكرية لإحداث قطاعات صناعية وتدريبية وطنية".

وتابع: "والأهم هو خلق موقع سيادي أعلى للجيش وأفراده ضمن المجتمع العراقي، مفارق للخلافات السياسية والطائفية والقومية التي تعصف بالبلاد، وتجر معها الجيش"، وفق تعبيره.