"البدو الرحل"، هذه العبارة التي نادرا ما تطل عبر نشرات الأخبار في الجزائر، هي محور حديث السياسية اليوم، وقد رافقت العدسات أول صناديق الاقتراع المسافرة عبر الصحراء الجزائرية الشاسعة، بحثا عن أصوات وآراء تلك الشريحة التي تعيش على الهامش.

وكما جرت العادة فإن أول المصوتين في المواعيد الانتخابية، أكثر فئات المجتمع تهميشا، وقد انطلقت رحلة مكاتب التصويت المتنقلة بالتزامن مع الانتخابات التشريعية المقررة يوم 12يونيو الجاري.

هذا الإجراء الإداري الروتيني الذي ينص على فتح مكاتب الاقتراع قبل 72 ساعة على الأكثر في البلديات التي يتعذر فيها إجراء عمليات التصويت في يوم الاقتراع نفسه، يسلط الضوء في المقابل على نمط حياة مختلفة لنصف مليون جزائري منتشرون في الصحراء.

وتشير أرقام السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات إلى أن مجموع الهيئة الناخبة من فئة البدو الرحل هو 4394 ناخبا، خصصت لهذا الغرض 5 مكاتب تصويت متنقلة.

ومن أبرز المناطق التي يتواجد فيها البدو الرحل، هي ولايات الصحراء الكبرى، وتحديدا ولاية تمنراست واليزي وتميمون وعين صالح وأدرار وبسكرة وواد سوف والبيض.

وفي الشمال هم قبائل تعيش بين ولاية تيارت وسعيدة والمشرية وخنشلة وتبسة وسعيدة، يعيشون على تربية الأغنام والإبل ولا علاقة تجمعهم بالتكنولوجيا الحديثة.

إحساس عال بالمواطنة 

وذكرت دراسات أن بدو الجزائر، لديهم قصص عمرها مئات السنين من الترحال والعبور والتخييم، كونهم أناس اختاروا هذه الحياة طواعية ولم تغرهم المدن يوما، وأضافت "حياتهم الأحب إلى قلبهم تلك التي هي بين عدة مناطق تبعد آلاف الكيلومترات عن الجزائر العاصمة، بين شطوط الوديان والواحات".

وحسب الدراسات السوسيو ثقافية فإن اهتمامات البدو الرحل، تختلف جملة وتفصيلا عن هموم المواطن الحضري.

ورغم ذلك، فإن نسب المشاركة في المواعيد الانتخابية السابقة، تؤكد أن البدوي مهما ابتعد عن المدينة، إلا أنه يظل يتمتع بحس المواطنة.

ولا يفوت البدو هذا الموعد أبدا، كما تشير الأرقام إلى أن نسبة المصوتين من هذه فئة في كل موعد انتخابي تتجاوز دائما 80 بالمئة.

مسؤولية الدولة قائمة

ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد حميدوش أن هناك نوعين من البدو الرحل في الجزائر، الأول يتعلق بالذين يعيشون في أقصى الجنوب، وعملية إحصائهم صعبة، وهناك فئة ثانية تقطن المناطق الوسطى للبلاد مثل الجلفة والأغواط والمنيعة وهي فئة لا تزال تعيش على نمط الحياة التقليدية.

وتتضارب الأرقام الرسمية حول عدد البدو الرحل في الجزائر، بالنظر إلى التعاريف المختلفة لهم، لكن أبرز ما يجمعهم علاقتهم المنعدمة بالسياسية والتي تقتصر فقط على موعد الانتخابات في كل مرة.

وقال حميدوش لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم يعرف البدو الرحل تغييرات كبيرة على نمط الحياة إلا بشكل طفيف جدا، حيث عرفوا التعامل مع وسائل النقل الحديثة وذلك بنسب قليلة جدا، وأيضا استخدام قارورات الغاز للطهي والتدفئة".

أخبار ذات صلة

خريطة البرلمان الجزائري القادم.. تكهنات عدة مع كثرة القوائم
حزام "أمني وصحي" لتأمين الانتخابات في الجزائر

وعلى العموم لا مطالب سياسية واقتصادية واضحة للبدو، كما يؤكد الباحث الإقتصادي: "هم راضون بحياتهم تلك ومطالبهم تختلف عن باقي المجتمع".

ورغم حالة الرضى التي تأخذ شكل الزهد في كل أشكال الحياة العصرية، إلا أن هناك إجماعا بين الباحثين على أن مسؤولية الدولة تكبر يوما بعد يوم، خاصة تجاه أبناء هذه الفئة من المجتمع.

وقال حميدوش: "يجب أن توفر لهم المدارس المتنقلة وليس فقط العيادات المتنقلة".

وبلغة الأرقام، فإن معدل الأمية بين أبناء وأحفاد البدو الرحل هي الأكثر ارتفاعا على الإطلاق، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن معدل الأمية بين أبناء القرى الجنوبية الحدودية تجاوز نسبة الـ80 بالمئة، وهم في الغالب أطفال دون سن الـ16 لا يقرؤون ولا يكتبون.

الهروب من حياة البؤس

وفي السنوات الأخيرة، ظهرت حالة من الملل لدى الجيل الثالث من أبناء البدو الرحل، الذين قرروا اكتشاف حياة المدينة وقد تنقل عدد كبير منهم إلى الولايات الكبرى وقرروا الاندماج في المدينة بطرق مختلفة، أبرزها التجارة.

ويقول الباحث الجزائري مرقومة منصور الذي أعد دراسة سوسيو ثقافية حول البدو الرحل في الجزائر، إن حياة الرعي لم تعد تفي بحاجيات البدوي الصحراوي، بسبب تغيير العوامل المناخية.

وجاء في دراسة الباحث في علم الاجتماع التي نشرت بجامعة مستغانم: "لم يعد البدوي يفكر في تربية الماعز والأغنام، وقد شح الماء في المساحات القريبة من الأرض، لقد أصبحت البادية تمثل لهم حياة البؤس".