تصاعد الجدل في السودان مؤخرا بعد دخول أعداد كبيرة من قوات تابعة لبعض الحركات المسلحة، لمقار ومواقع مدنية في أماكن إستراتيجية في الخرطوم والمدن الكبرى، وسط تعليقات تفيد بأن بعض الحركات تسعى لزيادة ثقلها عن طريق "بيع الرتب".

واحتدم الجدل أكثر بعد اقتحام مجموعة مزودة بأسلحة ثقيلة ومضادات طائرات، مقر اللجنة الأولمبية السودانية في قلب العاصمة، مما دفع باللجنة لإخلاء المقر وسط مخاوف بأن يهدد الحادث بتجميد كامل للنشاط الرياضي بالسودان.

وبات وجود قوات الحركات المسلحة في المواقع المدنية في قلب الخرطوم أمرا ملحوظا ومثيرا للمخاوف.

وتشير تقارير إلى تمركز أكثر من ألف جندي تابعين لإحدى الحركات المسلحة داخل الحديقة الدولية، التي تبعد على مسافة نحو كيلومترين من مطار الخرطوم الدولي، وذلك بعد وصولهم من دارفور.

وليس ببعيد عن تلك المنطقة، اقتحمت قوات أخرى الأسبوع الماضي مقر اللجنة الأولمبية السودانية.

سمعة البلاد في خطر

وقال حسام هاشم خوجلي الأمين العام للجنة الأولمبية السودانية لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "ما حدث من اقتحام لمقر اللجنة يشكل خطرا كبيرا على سمعة البلاد وعلى الرياضة السودانية".

وأشار إلى أن القوات التي اقتحمت المقر فصلت أجهزة وكاميرات المراقبة، ومنعت الموظفين من القيام بالاحتياطات اللازمة لحماية المكاتب والمستندات والأجهزة قبل إخلاء المكان.

وحذر خوجلي من خطورة الموقف، وقال إن "اللجنة الأولمبية الدولية لا تسمح مطلقا بمثل هذه التجاوزات، وقد تلجأ إلى تجميد نشاط السودان"، مؤكدا على عدم قدرة الموظفين على التعامل مع هذا الموقف لأن القوة التي اقتحمت المكان "كبيرة ومدججة بأسلحة وآليات ومضادات طيران ثقيلة".

مصر والسودان تؤكدان على أهمية التوصل لاتفاق ملزم بشأن السد

وأكد عدم عودة موظفي اللجنة إلى عملهم ما لم يتم إخراج القوة المقتحمة بالكامل، إضافة إلى إخلاء الحديقة الدولية الواقعة قرب مقر اللجنة من قوة عسكرية متمركزة هناك منذ أكثر من أسبوعين.

وأشار المسؤول إلى أن اللجنة الأولمبية الدولية تتابع الأمر لحظة بلحظة، وسط قلق بالغ من التداعيات التي قد تشكلها الحادثة على الرياضة السودانية.

وأوضح خوجلي أن رئيس اتحاد اللجان الأولمبية الإفريقية وجه خطابا لرئيس مجلس السيادة السوداني، أكد فيه على الموقف المبدئي للرياضة في دعم السلام في أي بلد، لكنه أشار بوضوح إلى رفض أي اقتحام عسكري لمقرات اللجان الأولمبية مهما كانت المبررات أو الدوافع.

تساؤلات مهمة

وينبه الخبير العسكري أمين إسماعيل مجذوب إلى أن عدم تحديد نقاط التجمع في بند الترتيبات الأمنية الخاص باتفاق السلام، أدى إلى دخول بعض القوات إلى العاصمة واقتحام أماكن مدنية حساسة، مثل الحديقة الدولية ومقر اللجنة الأولمبية السودانية، وهو ما يثير تساؤلا مهما حول دور الأجهزة الأمنية الرسمية في منع هذه الظاهرة والتصدي لها.

أخبار ذات صلة

"يونيتامس" في السودان.. مهام محورية وتحديات
حمدوك: نؤسس لخلق "نوع جديد" من العلاقة مع مصر

وتساءل مجذوب في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، عما إذا كانت هذه التحركات العسكرية تحدث بموافقة قيادات القوات التي تقوم بعمليات الاقتحام تلك، محذرا من التداعيات الخطيرة التي يمكن أن تنجم عنها، بما قد يعرض أمن العاصمة لمخاطر كبيرة إذا ما وصل الأمر إلى مرحلة إطلاق الذخيرة الحية.

وشدد مجذوب على ضرورة إخراج هذه القوات فورا إلى نقاط تجمع آمنة خارج المدن، بقرار من مجلس الأمن والدفاع الوطني، معتبرا أن هذه المظاهر تضر بسمعة وصورة البلاد.

ويأمل السودانيون أن يسهم اتفاق السلام في وضع نهاية للحرب الأهلية التي استمرت نحو 3 عقود في دارفور وجنوب كردفان، وراح ضحيتها مئات الآلاف ونزح بسببها الملايين، لكن مراقبين انتقدوا اتفاق الترتيبات الأمنية باعتبار أنه لم يرسم خارطة طريق واضحة بشأن آليات الدمج والتسريح، ولم يحدد مواقع بعينها لتمركز القوات الجديدة، مما فتح الباب أمام وجود عدد من الميليشيات المسلحة في الخرطوم والمدن الأخرى، وزاد من هشاشة الأوضاع الأمنية.

واعتبر محللون أن وصول تلك القوات إلى الخرطوم قبل تحديد أماكن التجمع "خطأ إستراتيجي وأمني كبير، لأن مثل هذه القوات أتت من مناطق صراع، وهي غير مدربه على البقاء في المدن والتعامل مع المدنيين، وبالتالي فمن الممكن أن تحدث بعض الانفلاتات".

بيع الرتب

ويتحدث هؤلاء أيضا عن ثغرة أخرى خطيرة تتمثل في عدم وجود آلية محكمة لحصر قوات الحركات الموقعة على الاتفاق، مما يفتح الباب أمام محاولات فرض واقع جديد عبر التجنيد و"بيع الرتب".

بيرتس: أدعو المجتمع الدولي لزيادة الدعم للسودان

وأثار الهادي إدريس عضو مجلس السيادة الجديد رئيس الجبهة الثورية التي تضم عددا من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر الماضي، مزيدا من المخاوف حول مستقبل الترتيبات الأمنية، حيث قال صراحة وفقا لما نقلته عنه وسائل إعلام رسمية إن "بعض الحركات المسلحة تعمل على بيع الرتب العسكرية بغية تضخيم عدد قواتها، وبالتالي رفع ثقلها في المشاركة بعمليات الدمج داخل القوات المسلحة".

وفي هذا الإطار، يرى مجذوب أن حديث رئيس الجبهة الثورية عن لجوء بعض الحركات المسلحة لبيع الرتب العسكرية "يعني أن هناك خللا كبيرا في قيادة الجبهة، خصوصا فيما يتعلق بالسيطرة على المجموعات المسلحة أو سيطرة قادة الحركات المسلحة نفسها على منسوبيها".

ويضيف مجذوب لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن مسالة التجنيد وبيع الرتب ومحاولات حشد أعداد أكبر للمشاركة في الترتيبات الأمنية، سيحدث خللا داخل الجبهة الثورية أكثر مما يمكن أن يحدثه داخل القوات المسلحة، مشيرا إلى أن وجود "معايير يمكن أن يجهض أي محاولة للغش أو التدليس".

ويؤكد مجذوب أن "القانون لا يسمح بمثل هذه الممارسات، ويستوجب القبض على من يقومون ببيع أو توزيع الرتب العسكرية أو شرائها، وتقديمهم لمحاكمات رادعة".

كما يعتبر الخبير العسكري جمال يحيى بورص ظاهرة إقدام بعض الحركات المسلحة على بيع الرتب العسكرية بمثابة "إفراز حقيقي للتكالب على السلطة والثروة، عبر توسيع المشاركة في القوات المسلحة السودانية، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من الخلل في بنية الجيش السوداني".

ووفقا لما قاله بورص لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن "القوات المسلحة السودانية ظلت ولسنوات طويلة تشكل نموذجا للتماسك والمهنية، لكن فترة النظام السابق فتحت الباب أمام اختراقات أضعفت كثيرا من تماسك المؤسسة العسكرية وعقيدتها".

ويقول بورص إن "عملية بيع وتوزيع الرتب العسكرية من قبل الحركات المسلحة، يشكل سابقة ستضر كثيرا بأمن البلاد وبمستقبل المؤسسة العسكرية"، مشيرا إلى "سعي كل حركة مسلحة لحشد أكبر عدد من المكاسب في إطار عمليات تقاسم السلطة والثروة، وهو ما يدفع تلك الحركات للعمل على توسيع قاعدة مشاركتها في القوات المسلحة".

ويؤكد الخبير العسكري أن "الاستمرار في هذا النهج سيؤدي إلى انفلات أمني لا تحمد عقباه، مما يستوجب المزيد من العمل للخروج بالبلاد إلى بر الأمان عبر إعادة تأهيل القوات المسلحة السودانية والعودة بها إلى سابق عهدها".