في ظل التحولات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، فإن ثمة تحالفات سياسية وإقليمية جديدة تتطلع دول المنطقة إلى تدشينها، لتنويع مصادر العلاقات الخارجية بهدف مواجهة المستجدات والتحديات الصعبة، تبعاً لحالة التنافس القائمة على الموارد والثروات الطبيعية، وكذا النفوذ الإقليمي.

وقد زار العاصمة المصرية القاهرة، الأربعاء الماضي، وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، والذي حمل رسالة من الرئيس العراقي برهم صالح إلى نظيره المصري عبد الفتاح السياسي يؤكد فيها الأول "عمق العلاقات الثنائية بين مصر والعراق، والأهداف والمصالح الاستراتيجية بين البلدين، حيث حضر اللقاء رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، والسفير العراقي في القاهرة أحمد الدليمي.

الشام الجديد.. تحالف المستقبل

وقال الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في مصر السفير بسام راضي إن وزير خارجية العراق نقل للرئيس السيسي رسالة من أخيه الرئيس برهم صالح تتعلق بموضوعات العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.

وأكد على "حرص العراق على استمرار التنسيق والتشاور المكثف مع مصر على جميع المستويات، في ظل ما يجمع البلدين من علاقات وروابط قوية، وفي ضوء أهمية ومحورية الدور المصري بالمنطقة والداعم للعراق، بما يساهم في مواجهة التحديات المشتركة التي تمر بها الأمة العربية".

ولفت الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية إلى اعتزاز مصر بالعلاقات التاريخية مع العراق، والحرص على تعزيز دوره القومي العربي، وكذلك تقديم الدعم الكامل للشعب العراقي في كافة المجالات، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار آلية التعاون الثلاثي مع المملكة الأردنية، دعماً لعلاقات التعاون المتبادلة ولمسيرة العمل العربي المشترك، وذلك في إطار سياسة مصر القائمة على مبادئ رشيدة متوازنة وثوابت أخلاقية راسخة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتقدم والازدهار للجميع.

وبحسب البيان الرسمي الصادرة عن الرئاسة المصرية، فإن اللقاء شهد استعراض الوضع السياسي والأمني في المنطقة، والتحديات في هذا الإطار، حيث تم التوافق على استمرار التشاور المتبادل بين البلدين لاستعادة الأمن والاستقرار، كما تم التطرق إلى مجمل العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين، فضلاً عن سبل تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ المشروعات المنبثقة عن آلية التعاون الثلاثي مع الأردن.

وطالب الرئيس في نهاية اللقاء بنقل تحياته إلى الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وبالتزامن مع زيارة وزير الخارجية العراقي، حضر رئيس وزراء الأردن بشر الخصاونة، إلى القاهرة، بغية بحث أطر تعزيز التعاون الثلاثي المشترك المصري الأردني العراقي، وتفعيل جوانب التعاون المشترك بين البلدان الشقيقة، ومن بينها تحالف "الشام الجديد"، وهو المشروع الذي خلص إليه قادة الدول الثلاث، في أغسطس العام الماضي، بعد القمة التي جمعتهم، في العاصمة الأردنية عمان.

ويستهدف مشروع الشام الجديد إعادة الدور الريادي للمنطقة من خلال الاستفادة القصوى من المردودات الاقتصادية الهائلة للثروة النفطية بالعراق، ومن ثم تعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية وتفعيل الآليات الدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية.

أخبار ذات صلة

من أجل العبور للاستقرار.. مصر تمد يد العون إلى ليبيا
مصر والأردن: القضية الفلسطينية على رأس الأولويات العربية

تكامل اقتصادي وتعاون سياسي

وفي تصريحه لـ"سكاي نيوز عربية"، يؤكد المحلل الأردني، عبد الله الحديدي، أن الأمن الاقتصادي للدول الثلاث مصر والأردن والعراق، يوف يشهد تغييرات إيجابية مهمة ولافتة على ضوء تفعيل مشروع الشام الجديد.

وأضاف "لقد أطلقت الدول الثلاث آلية للتعاون، بدأت من العاصمة المصرية القاهرة في مارس 2019، وأعلن وقتها عن مشروع مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم مصر".

وتابع: "سوف يتسنى لكل من الأردن ومصر الحصول على النفط العراقي، بخصومات تصل لنحو 16 دولاراً للبرميل، كما سوف يحصل العراق على الكهرباء من مصر والأردن، إلى جانب تدفق وزيادة الاستثمارات للعراق، حيث من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي لكل من العراق ومصر والأردن مجتمعة، نحو 500 مليار دولار".

ويلفت المحلل الأردني إلى أن فكرة المشروع الأساسية إنما تعتمد على "استثمار إمكانات الدول الثلاث ومقدراتها الحيوية، بهدف تحقيق تكامل اقتصادي، إذ إن مصر ستضخ طاقتها البشرية الهائلة، وتوفر قطاعاتها الصناعية الكبيرة لدعم المشروع الاقتصادي العملاق، كما أن العراق سيقدم إمكاناته النفطية، بينما الأردن سيقدم موقعه الاستراتيجي المهم للوصول إلى أفضل النتائج من المشروع على أرض الواقع".

ثلاثي شرق المتوسط.. صمام أمان للمنطقة

وفي إطار هذه التحركات التي شهدتها القاهرة، كان وزير الخارجية المصري سامح شكري في العاصمة اليونانية أثينا، برفقة ووزير خارجية اليونان نيكوس دندياس، ووزير خارجية قبرص نيكوس خريستودوليديس، لجهة سبل تنسيق المواقف تجاه ما يخص منطقة شرق المتوسط، وتعيل آليات التعاون بين الدول الثلاث.

كما شارك شكري، الخميس الماضي، في اجتماع وزراء كل من مصر واليونان وقبرص وفرنسا والسعودية والبحرين والإمارات، في أثينا، لمناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط عامة وشرق المتوسط خاصة.

القاهرة تعقد تحالفات جديدة في الإقليم

وإلى ذلك، قال الخبير الليبي، محمد الشريف، في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، إن مصر باتت تشكل تحالفات جديدة في الإقليم، لمواجهة المخاطر المستجدة، السياسية والميدانية، في ظل سعي القيادة المصرية دوما على سلامة منظومة الأمن القومي العربي".

وأوضح أن "مصر تعمد إلى توطيد العلاقات مع الأردن والعراق اليونان وقبرص بجانب حلفاء القاهرة الدائمين بالخليج العربي، الإمارات والسعودية والبحرين، للوصول إلى صيغة سياسية وإقليمية لدعم الاستقرار في المنطقة".

وتابع الشريف: "مصر الآن تؤسس كتلة موحدة، سياسية واقتصادية، مع الأردن والعراق، وذلك من خلال الاستفادة بوجود الأردن في منتدى شرق المتوسط للغاز، مقره بالقاهرة، بالإضافة إلى دعمها رغبة الأردن باتجاه توطيد العلاقات مع الدول النفطية كالعراق، والدول التي تملك غاز طبيعي بوفرة عالية مثل مصر، للتخلص من أزمات الطاقة بالأردن، وهو تحالف استراتيجي يشكل دعامة استقرار لهذه المنطقة التي يرتفع فيها التوتر إثر اكتشاف ثرواتها النفطية المستجدة".

الشام الجديد طوق نجاة لبغداد

من ناحية أخرى، يقول المحلل السياسي العراقي زياد الهاشم إن بغداد تتحرى التخلص من عقود الفوضى والسيولة الأمنية، منذ عام 2003، وما تلى هذا التاريخ من تداعيات سلبية بسبب الفراغ السياسي، ومن ثم فإن العراق يبحث في محيطه الإقليمي الحيوي، العربي والخليجي، عن الاستقرار والدعم.

ويضيف الهاشم لـ"سكاي نيوز عربية" "لذلك كان على العراق تغيير بوصلته الخارجية والاهتمام بتوطيد العلاقات الى أبعد مدى مع كل من الأردن ومصر، لاسيما وأنهما يتمتعا بثقل استراتيجي إقليمي ودولي كبير جداً ومؤثر، وهو ما يوفر للعراق مظلة جيدة لعبور تلك المرحلة الراهنة المأزومة".